صورة المدونة

صورة المدونة

الأحد، 28 أكتوبر 2012

دفاعاً عن إيهاب العزي


سيتفاجأ البعض من مقال يدافع عن إيهاب العزي، ذاك الشاب "الأزعر" الذي ادّعى أن ملتحين أوقفوه في محلّة الطريق الجديدة، وعلى وقع هتافات "الله اكبر"، ضربوه بالسيف وأفقدوه أصابع يده.

سيتفاجأ البعض من مقال يدافع عن شاب اختلق قصّة أقل ما يمكن قوله هو إنها إشاعة خبيثة تؤدي إلى زيادة في توتير علاقة بين طائفتين لبنانيتين، الشيعة والسنّة، علاقة متوتّرة أساساً وصارت تمتلك كل عناصر الإنفجار.

إذن لماذا هذا الدفاع؟!

إيهاب العزّي هو ضحيّة البيئة التي نشأ فيها وهو ضحيّة السبات الذي تعيش فيه الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية. نسبة كبيرة من الشباب اللبناني تشبه إيهاب العزي. لا يفترق إيهاب عن هؤلاء سوى بظروف معيّنة أحاطت به. كثير من الكلام تناول "خيالات" إيهاب، عندما كانت "حادثة" فقام البعض بـ"ركوبها" والتنديد بما حصل مع "الشاب البريء" لا لشيء سوى لإثبات وعي ووطنية لا يمتلكهما (فارس سعيد نموذجاً). وكثير من الكلام تناول "خيالات" إيهاب عندما صارت "أكذوبة" فقام البعض بـ"ركوبها" من جديد لإثبات تيقظه للدعاية الإعلامية التي يعمل إعلام 8 آذار على بثها (فارس سعيد نموذجاً/ الموقف الثاني لسعيد).

لم يتحدث أحد عن عناصر القصة التي اختلقها العزّي. هل ظنّوه روائياً؟! قصة إيهاب هي قصة وعي معظم الشباب اللبناني وكيفية رؤيته لـ"الآخر" الذي لا ينتمي إلى طائفته. كيف ذلك؟ لنحاول استخراج عناصر روايته:
أولاً، اللبناني "الآخر" الذي يسكن في منطقة "الآخرين" هو شخص متأهب للتربص بنا (ملتحو الطريق الجديدة المنتظرين مع سيوفهم).
ثانياً، هويتنا الطائفية مهددة و"الآخر" لا يحترم هذه الرموز فيا أبناء ملّتي اتحدوا (أحد الملتحين شد سلسالاً معلّق فيه مجسّم صغير لسيف الإمام علي بن أبي طالب ورماه ارضاً، وراح يدوسه هو والمسلحين الآخرين الذين كانوا على مقربة منه).
ثالثاً، أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية لا تحمينا والأمن لا يمكن أن يكون سوى أمن ذاتي (عناصر الجيش لم يتدخلوا رغم استنجاد إيهاب بهم).
رابعاً، الإدعاء بأننا لبنانيون ولسنا طائفيايين كالآخرين ولكن الآخرين يفرضون علينا أن نكون طائفيين (يقول العزي: "أوقفني عدد من المسلحين وسألوني عن طائفتي، فأجبت بأنني لبناني").
خامساً، الثأر ينهشنا ويدخلنا في دوامة من العنف لا تنتهي (نُقل عن إيهاب أنه يتوعّد بالبحث عن الشباب الذين اعتدوا عليه، وحين يجدهم سيقطع اصابعهم، تماماً كما فعلوا به".

هكذا نكتشف أن إيهاب العزي ليس لا روائياً ولا قاصاً. هو فقط شاب لبناني يمكن اعتبار عناصر وعيه نموذجاً يمكن تعميمه لينطبق على وعي معظم الشباب اللبناني. الكلّ صدّق رواية هذا الشاب "الأزعر" فهل في هذا التصديق شيء سوى قناعة كامنة لدينا بأن ما حصل ممكن حصوله. كون الواقعة مختلقة لا يشكّل ذلك الفارق الكبير. اكتشفنا زيف الرواية بالصدفة ولكننا صدقناها لأنها ممكنة الوقوع.

ماذا بعد؟

في معلومات خاصة، الشاب إيهاب العزّي هو أحد المشاركين في إشكال برج أبو حيدر الذي وقع منذ فترة من الزمن بين "الشيعة" و"الأحباش" ويُقال بأنه ممن أحرقوا جامعاً أثناء الإشكال المذكور. لماذا هو طليق إذاً؟ بسيطة. تمت تغطية "الزعران" آنذاك. لو كانت الأجهزة الأمنية قامت بما عليها لما كان إيهاب طليقاً ليستمر في "زعرناته".

رواية العزّي ما لبثت أن هيمنت على كل الأحداث الأخرى. هل سألتم عن السبب؟ لأنها من نوع الحوادث التي "تهيّج" اللبنانيين وتسمح لهم بكيل الاتهامات لأطراف سياسية يناصبونها "العداء". نسي كثير من الفسابكة نديم قطيش وصرخته الداعية للإخلال بالسلم الأهلي. بطل ساحة الشهداء يلبس الآن ربطة عنقه ويختبئ في مكان ما. نسي كثير من الفسابكة "عهر" البعض الذي ادّعى أن أهالي الضاحية يوزعون البقلاوة بمناسبة مقتل وسام الحسن. من يهدد السلم الأهلي أكثر؟

إيهاب العزّي ضحيّة. هذا لا يرفع عنه الذنب الذي ارتكبه. إيهاب العزّي ضحيّة. هذه ليست دعوة للتسامح معه ومع أمثاله بل هي دعوة للنظر أبعد قليلاً، للنظر إلى وسائل الإعلام التي نشرت "خدعته"، ولربما هي ألفتها ونسبتها إليه فضللته كما ضللت اللبنانيين. وهي، قبل أي شيء آخر، دعوة لمحاسبة صنّاع البيئات السياسية الطائفية. المحاسبة لا تبدأ من تحت.