صورة المدونة

صورة المدونة

الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

أشار إلى مفارقات في أحداث تاريخ الإسلام الأول واتهم بالردة. فماذا قال؟

في 24 من كانون الأول، حكمت المحكمة الجنائية في نواديبو، التي تبعد نحو 480 كيلومتراً عن نواكشوط، عاصمة موريتانيا، على الشاب محمد شيخ ولد محمد (29 عاماً) بالإعدام بتهمة الردة.
السبب هو كتابته مقالاً قصد منه الدفاع عن مصالح الطبقات الاجتماعية المظلومة في موريتانيا. اعتبرت المحكمة مقاله مسيئاً للرسول واتهمته بـ"التحدث باستخفاف عن النبي محمد".
(المقال يتضمن بعض الإشارات إلى الصراعات الاجتماعية في موريتانيا، لن يفهمها القارئ غير المتابع للشؤون الموريتانية. ولكن يبقى مهماً الإطلاع على ما كتبه ولد محمد، بغض النظر عن تقييمنا لما قاله، بخصوص تمييز الإسلام في عهد النبي بين الناس على أساس الانتماءات الاجتماعية).

فماذا كتب ولد محمد؟

الدين والتدين و"لمعلمين"



لا علاقة للدين بقضيتكم أيها لمعلمين الكرام فلا أنساب في الدين ولا طبقية ولا "أمعلمين" ولا "بيظان" وهم يحزنون.
مشكلتكم إن صح ما تقولون يمكن إدراجها فيما يعرف بـ"التدين".
تلكم أطروحة جديدة وقد وجدت من بين لمعلمين أنفسهم من يدافع عنها.
حسناً.
دعونا الآن نعود للدين والتدين حتى نتبين موقع الأنساب والطبقية من الدين.
ما هو الفرق بين الدين والتدين؟
يقول الدكتور عبد المجيد النجار "إن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين؛ إذ الدين هو ذات التعاليم التي هي شرع إلهي، والتدين هو التشرع بتلك التعاليم، فهو كسب إنساني. وهذا الفارق في الحقيقة بينهما يفضي إلى فارق في الخصائص، واختلاف في الأحكام بالنسبة لكل منهما" (كتاب الأمة).
إذن: الدين هو وضع إلهي والتدين كسب بشري.
متى كان الدين ومتى كان التدين؟
مما لا شك فيه أننا إذا قسمنا الفترة الزمنية للإسلام إلى قسمين سنجد:
ـ فترة حياة محمد وهي فترة دين
ـ ما بعد محمد وهي فترة تدين

تعالوا بنا لنأخذ بعض المشاهد من عصر الدين:

الزمان: بعيد معركة بدر 624 ميلادية
المكان: يثرب
ماذا حدث؟
الأسرى من قريش في قبضة المسلمين، والحكم قد صدر بما يلي:
قال المستشار الأول لرسول الله أبو بكر الصديق: "يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً".
ملاحظة: من هم الكفار إذا هنا في رأي أبي بكر؟
ثم كان بعد ذلك قرار أبي بكر هو القرار النهائي مع إضافة عملية التعليم لمن لا يملك المال.
لكن مهلاً. لقد كانت هنالك حالة استثنائية فقد أرادت زينب بنت رسول الله افتداء زوجها أبي العاص بقلادة لها كانت عند خديجة، فلما رآها رسول الله رقّ لها رقّةً شديدة، وقال لأصحابه: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فوافقوا على ذلك"، رواه أبو داود .
برأيكم ما هذا الاستثناء؟

الزمان: 625 ميلادية
المكان: أحد
الحدث: قتال بين المسلمين وقريش
قريش في مواجهة المسلمين انتقاما لبدر ورغبة في القضاء على محمد وأتباعه.
هند بنت عتبة تستأجر وحشي لقتل حمزة مقابل حريته ومكافأة مالية تتمثل في حليها.
هند تصل للهدف وتمثل في جثة حمزة.
وبعد سنوات عدة وأيام ما يعرف بفتح مكة دخلت هند في الإسلام لتنال اللقب الشهير "عزيزة في الكفر، عزيزة في الإسلام".
أما وحشي فأمره النبي أن يتوارى عن أنظاره عند دخوله الإسلام.
هند قرشية ووحشي حبشي وإلا فما هو سبب التمييز بينهما وهم في الجرم على الأقل سواء أو إن شئتم الدقة فهند هي المذنب الحقيقي وما ذنب عبد مأجور.
دائماً وفي نفس المعركة، أحد، ولنقارن ما حدث لـ"وحشي" مع دور شخص آخر هو خالد بن الوليد حيث أن هذا الرجل كان السبب الرئيسي في هزيمة المسلمين في أحد، وقتل عدد من المسلمين. ولكن عند دخوله الإسلام أخذ اللقب الشهير "سيف الله المسلول"، فلماذا لا يتم استقبال وحشي ويأخذ مثلاً لقب "حربة الله التي لا تخطئ الهدف"؟.

المكان: مكة
الزمان: 630 ميلادية
الحدث: فتح مكة
ما هي النتيحة؟
نال أهلُ مكة عفواً عاماً رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول محمدٍ ودعوته، ومع قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم. وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعين قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول محمد فيهم، فقال: "ما تظنون أني فاعل بكم؟"، فقالوا: "خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ"، فقال: "لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ"، وذكر عبارة "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي، وإبقاء الأموال المنقولة والأراضي بيد أصحابها، وعدم فرض الخراج عليها، فلم تُعامل مكة كما عوملت المناطق الأخرى.

المكان: حصون بني قريظة
الزمان: 627 ميلادية
الحدث: إبادة بني قريظة
السبب:
1ـ تآمر رجالات من بني قريظة ضد المسلمين في حصار الخندق، هم القادة فقط إن عممنا مع العلم أن هنالك آية تقول: " ولا تزر وازرة وزر أخرى".
2ـ وقد ثبت أن النبي قال لليهود وهو مشرف على حصون بني قريظة وقد حاصرهم: "يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطواغيت أتشتمونني؟ قال فجعلوا يحلفون بالتوراة التي أنزلت على موسى: ما فعلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولاً ثم قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الرماة من أصحابه".
وقد ناداهم بذلك لشتمهم إيَّاه. (الطبري، 2/252، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وذكره ابن كثير، 1/207، تحقيق الوادعي).
أريد هنا قبل أن أواصل أن أشير إلى أننا في سياق الحديث عن النبي فنحن نتحدث عن ما يمكن تسميته "العقل الشامل" بدليل أنه لا ينطق عن الهوى.
ونعود للمقارنة بين الحالتين، مكة وبني قريظة:
بنو قريظة هموا بالتمالؤ، والأمر لم يحدث مع قريش من أجل القضاء على محمد ودعوته. فتم العفو العام عن قريش ونفذ الإعدام في بني قريظة سيان من هم بنقض العهد أو من لم يهم بذلك فقد تم الحكم على بني قريظة، فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل، ومن لم ينبت جعل في الذراري (الراوي: المحدث ابن الملقن، المصدر: البدر المنير، 6/670، خلاصة حكم المحدث: صحيح مشهور).
وهذا غلام ويُدعى عطية القرظي، لم يُقتل لأن المسلمين كشفوا عن عورته ولم يجدوا شعراً (دليل البلوغ) فنجا من السيف المحمدي.
عن عطية القرظي، قال: "كنت من سبي قريظة، عرضنا على النبي، صلى الله عليه وسلم،فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي" (عطية القرظي، المحدث: الألباني، المصدر: تخريج مشكاة المصابيح، 3901، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
قريش واجهت المسلمين في أكثر من معركة وحاصرتهم حصاراً شديداً في الخندق وفي بدايات الدعوة انتدبت أربعين شاباً لقتل محمد ليلة الهجرة وقبل الهجرة وفي مكة قتلوا وعذبوا المسلمين أشد تعذيب وفي فتح مكة وجدوا أمامهم أخاً كريما وابن أخ كريم فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
بني قريظة فقط هموا بالتحالف مع المشركين فكان جزاءهم القتل الجماعي.
أين راحت الرحمة؟
أم أن للأخوة و"أَتْبَنْعِيمَه" دورها في "العقل الشامل/ المطلق".

وكخلاصة:
إذا كان مفهوم "بنو العم والعشيرة والإخوان" يجعل أبا بكر يحجم عن قتل المشركين؛
وعلاقة الأبوة بين زينب والرسول تمنحها إطلاق سراح زوجها مجاناً؛
والانتماء القرشي يعطي ألقاب البطولات للقرشيين ويمنعها عن الحبشيين؛
والأخوة وعلاقة الدم والقربى تمنح حق الرحمة لقريش في الفتح وتحرم بني قريظة من ذلك الحق؛
وكل هذه الأمور تتم في عصر الدين فما بالك بعصر التدين؛

إخوتي
أريد فقط أن أصل معكم، وأخاطب لمعلمين أساساً، أن محاولة التفريق بين روح الدين وواقع التدين هي محاولات "طيبة لكنها لا تنافس" فالحقائق لا يمكن طمسها، وهذا الشبل/ البيظاني من ذاك الأسد.
وأن الذي يعاني يجب أن يكون صريحاً مع ذاته في سبب معاناته مهما كان السبب، إذا كان الدين يلعب دوراً فلنقلها بأعلى صوت: يلعب الدين ورجال الدين وكتب الدين أدوارهم في كل القضايا الاجتماعية من: قضايا لحراطين ولمعلمين وإيكاون الذين لا زالوا صامتين رغم أن الدين يقر بأن مأكلهم حرام ومشربهم حرام وعملهم حرام.

الجمعة، 11 أبريل 2014

ملامح نوستالجية من تراث بيروت

بين استعراض تراث بيروت من خلال دراسة عائلة بيروتية نموذجية وبين التعرّف على معالم "البيت البيروتي التقليدي" وبين استذكار وقائع تستعيد نتفاً من ماضي العيش المشترك بين مسلمي بيروت ومسيحييها دارت أعمال الندوة التي نظمها "مركز التراث اللبناني" في الجامعة اللبنانية الأميركية وذلك مساء الإثنين الماضي في كلية الإدارة والأعمال في الجامعة.

أول ما يلفت النظر في القاعة هو عمر الحضور. أكثرية المهتمين بموضوع الندوة المعقودة تحت عنوان "بيروت... بيروت... وتلك الذكريات/ وجوه ومرويات من تاريخ بيروت أعلاماً وعلامات" هم ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة أما توزيعهم الجندري فهو متوازن. طبيعة الحضور تعكس تأسّي الأجيال القديمة على مدينة ضاع كثير من معالمها وملامحها فيما يبدو أن الأجيال الجديدة تعيش سرعة المتغيّرات دون أن تتمسّك بأي مقياس نوستالجي، إن جاز التعبير، في نظرتها إلى المدينة.

ملامح نوستالجية
"ملامح نوستالجية من تراث بيروت أيّام زمان" هو عنوان مداخلة المتحدث الثاني في الندوة، المحامي عبد اللطيف فاخوري. صاحب كتابي "البيارتة" و"منزول بيروت" بدأ من مكان لا يمكن لأحد توقعه. بدأ باستذكار موت أفراد الجيش المصري عندما قدموا إلى الشام في منتصف القرن التاسع عشر بمرض سُمّي "النوستالجي". كان همّ فاخوري، في عرضه، أن يسترجع ملامح العيش المشترك بين أبناء بيروت المسلمين والمسيحيين وكأن ماضي هذا العيش هو أكثر ما يفتقده في بيروت الآن.

"لم يُعرف عن أهل بيروت أنهم اختلفوا حول هوية طائفية أو مذهبية أو مناطقية. تراثهم يميل إلى التحلّي بمكارم الأخلاق التي كرّستها الأديان". هذه هي فرضيته وكل ما سيأتي لاحقاً ليس سوى استعراض وقائع ينبشها فاخوري ليؤكد عليها.

استذكر فاخوري كيف كان البيارتة يستعيرون دار أبو عسكر الفسيحة ليقيموا فيها بعض مناسباتهم كحفلات الزواج أو إحياء المولد النبوي الشريف. أبو عسكر هذا هو يونس نقولا الجبيلي. استعاد انعكاسات الفتنة الطائفية بين الدروز والمسيحيين، عام 1860، على بيروت. عرض لموقف الشيخ محمد الحوت حين حذّر بعض البيارتة المتحمّسين من أن امتداد الفتنة إلى بيروت سيمنح الأجانب ذريعة للتدخل. تحدّث عن لجوء مسيحيي الجبل إلى بيروت وعن ردّ المسيحيين للجميل باستقبال نواحيهم القائمة على أطراف المدينة البيارتة حين قصف الأسطول الإيطالي بيروت، عام 1912، وعن موقف مطران بيروت الذي حثّ المسيحيين على الترحيب بالمسلمين النازحين.

فاخوري تطرّق إلى الجانب الإيجابي من الحروب الصليبية أي إلى احتكاك الثقافة المحلية بثقافة الغرب وما كان له من انعكاسات إجتماعية ولّدت تلاقحاً بين ثقافتين: "نشأت منطقة وسطى ضمّت مزيجاً من التراثين الإسلامي والمسيحي". تعرّف المسيحيون على إحياء المسيحيين لعيد الميلاد فصاروا يحيون المولد النبوي الشريف. عادة "الأبولة" البيروتية، وهي عادة إشعال حزمات من الحطب في المولد النبوي، وُلدت من مشاهدة المسلمين المسيحيين وهم يرفعون المشاعل في عيد الغطاس. أسماء البيارتة المركّبة التي تحتوي على إسم النبي هي نتيجة تبرّك المسيحيين باسم أحد القديسين مع اسم أولادهم. يختم العلامة إبن حجر الهيثمي كتابه "قصة المولد النبوي"، الذي كان يدرّس في القرن التاسع عشر، بعبارة "أبد الآبدين ودهر الداهرين" وهي العبارة المستخدمة في الصلوات في الكنائس...

من العام انتقل فاخوري إلى الخاص. روى وقائع مولد أبيه في حيّ داود عمّون وتقاطر الجارات المسيحيات إلى دارة أهله لتهنئة والدته. صادف وقوع ذلك عيد الميلاد فكان أن سُمّي والده مصطفى ميلاد. في ختام مداخلته، عاد فاخوري إلى النوستالجيا مستعيراً من الشيخ ناصيف اليازجي قوله "تُرى ليالينا تعود/ مثل الزمان الأول؟".

 بيروت "أفندي الغَلْغُول"
بعد تقديم مدير "مركز التراث اللبناني" الشاعر هنري زغيب للمشاركيْن، كانت البداية مع الدكتور نادر سراج ومشاركته بعنوان "أهمية المصادر غير التقليدية في عملية جمع التراث/ "أفندي الغلغول" وتراث بيروت القديم نموذجاً". سراج قام بفتح "نافذة انثروبولوجية" على تاريخ المدينة من خلال تتبع سيرة "أفندي الغلغول".

في مداخلته القيّمة، سار سراج على خطين متوازيين. أوضح منهجية بحثه وفي الوقت نفسه خلص إلى استنتاجات تستعيد بعض جوانب تراث المدينة. من خلال سيرة عائلة نموذجية (آل الجمّال) يقوم الباحث بدراسة بيروت. "أفندي الغلغول" هو هاشم علي حسين الجمّال الذي شيّد منزلاً بيروتياً تقليدياً في منطقة الغلغول (المنطقة الممتدة بين مبنيي الإسكوا واللعازارية) في منتصف القرن التاسع عشر. يلاحق سراج التبدلات التي طرأت على عائلة الأفندي والتي تنضوي ضمن إطار التغيّرات التي عرفتها المدينة.

"أفندي الغلغول"، الموظف في دوائر الدولة العثمانية، كان إحدى الشخصيات الـ25 التي أسست "جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية". بعد تعيينه رئيساً لبلدية صيدا، راح يتنقّل بين مدينتي بيروت وصيدا حيث شيّد منزله الثاني بعد منزله الأول القائم في "زاروب الجمّال".

في كتابه عن "أفندي الغلغول"، اعتمد سراج كثيراً على الروايات الشفهية لأن ما كُتب عن هذه الشخصية قليل. استند إلى مرويات سمعها من والدته (حفيدة الأفندي) وسجلها في ذاكرته، وإلى مقابلات أجراها مع آخر أحفاده. إلى هذه المرويات، استخلص معلومات مكمّلة من مصادر أخرى كوثائق ومراسلات بين الأفندي وأولاده، بطاقات بريدية، كتب عثمانية توثق بعض أحوال نواحي السلطنة وقاطنيها...

من الصور الفوتوغرافية التي تُظهر الأفندي وأفراد عائلته استخلص بعضاً من التحوّلات التي طرأت على العائلة وعلى المجتمع البيروتي. في صورة تعود إلى العام 1863، يظهر الأفندي شاباً يافعاً يرتدي لباساً عثمانياً خالصاً. في صورة أحدث يظهر معتمراً "الشاشية" (نوع من الطربوش) وفي آخر أيامه يظهر مرتدياً بذلة وربطة عنق. أما زوجته التركية الأصل فهي تظهر في صورة تعود إلى العام 1880 لا تخفي فيها كامل شعرها مع أنها جالسة أمام مصوّر أجنبي.

أولاد الأفندي يظهرون متحلّقين حول والدهم الذي يتوسطهم في وضعية شبه عسكرية ثم يظهرون لوحدهم، في صورة التقطوها لأنفسهم في الآستانة حيث ذهبوا لاستكمال تحصيلهم العلمي بعد فترة قضوها في المدرسة الرشدية في البسطا. هكذا كان حال البيارتة الذين يريدون الاستمرار في التحصيل العلمي. بعد الصور الجامعة، عرض سراج صور الأولاد فرادى ليظهر تشتتهم في أرجاء السلطنة بين القدس وليبيا وبيروت.

سراج تطرق إلى ميول البعض الاجتماعية كانتماء إبن الأفندي المعمّم وابن أخيه الصيدلي إلى الحركة الماسونية التي كانت، في وعي أبناء المدينة، تعني الانفتاح. أما في زمن لبنان الكبير فقد أورد ملاحظة وحيدة ولكنها قيّمة: كان البيارتة يقصّون من تذاكر هويتم القسم الأعلى الذي يشير إلى دولة لبنان الكبير وذلك اعتراضاً على فصلهم عن السلطنة.

المشاركتين كانتا قيّمتين وأعادتا الحضور إلى زمن بيروت القديمة. الحضور كان سعيداً باستعادة الذكريات حتى أن بعضه كان يصفّق حين ترد فكرة تؤكد على ماضي العيش المشترك بين أبناء المدينة المتنوّعين. كل ما في القاعة كان نوستالجياً.

(نشر في now.mmedia.me في 10 نيسان 2014)