صورة المدونة

صورة المدونة

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

ماذا قال شارون عام 1982 عن مجزرة صبرا وشاتيلا؟


ستبقى مجزرة صبرا وشاتيلا وصمة عار على جبين الإنسانية. وسيبقى الحديث عنها ضرورة لنتذكّر. ليس أرييل شارون بالمصدر الموثوق بطبيعة الحال، ولكن لا أظن أنه يستطيع التمادي في كذبه أمام الكنيست. وفي حديثه يعطي معلومات عن مشاركة اسرائيلية في العملية التي جرت عام 1976 في تل الزعتر. سأترككم وجهاً لوجه مع الخبر.

في جلسة عقدها الكنيست الاسرائيلي لمناقشة مجزرة صبرا وشاتيلا، في 22 أيلول 1982، نقل وزير الدفاع الاسرائيلي أرييل شارون ما قيل للكتائب حرفياً قبل إدخالهم إلى حيث وقعت المجازر وهو: «تدخل قوة عسكرية من الكتائب الى مخيمي شاتيلا وصبرا والعملية هي ضد المخربين ويجب عدم المس بالمدنيين وخاصة الشيوخ والنساء والأطفال». وأضاف شارون: «في اللحظة التي بدأت الشكوك بأعمال الكتائب في المخيمات التي عرفناها كمراكز للارهاب، اتخذ قائد المنطقة الشمالية خطوات لوقف أعمال الكتائب في مخيمي صبرا وشاتيلا، بواسطة ضابط ارتباط كتائبي». شارون لفت إلى أنه «يجب أن نعرف أن الكتائب ليسوا جيش دفاع وأن فرقهم ورجالهم غير خاضعين لنا، وغير مجبرين على تقديم التقارير لنا، لقد بذلنا جهودنا، قائد المنطقة الشمالية وقائد الجيش وأنا نفسي ذهبت الى هناك للتحقيق مع قادة الكتائب ومحاولة معرفة كيف، متى، ولماذا حصلت هذه الجريمة. وهؤلاء الناس (أي الكتائب) يرفضون حتى الآن الكلام ولا يريدون الاعتراف بذلك وما زلنا نبحث ونحقق، لماذا فعلوا ذلك رغم الالتزامات التي قدموها لنا حسب طلبنا». وقال شارون انه طلب من الجيش الاسرائيلي أن يقدم له تقريراً عن ما حدث، وأضاف: «بعد مقتل بشير الجميل اتخذ قرار بدخول جيش الدفاع الاسرائيلي الى غرب بيروت والسيطرة على النقاط الحيوية هناك، قواتنا تلقت أمراً بعدم دخول مخيمات اللاجئين وأن عمليات تطهير المخيمات تلقى على عاتق الجيش اللبناني أو الكتائب. الجيش اللبناني رفض القيام بهذه المهمة، ويوم الخميس في 16/9، ليلاً دخلت قوات الكتائب الى مخيم شاتيلا، وجرت قبل ذلك لقاءات تنسيق بين قواتنا وقوات الكتائب وأوضحنا لهم أن العملية تستهدف تطهير المخيمات من المخربين وأطلقت قواتنا قنابل مضيئة لمساعدتهم على التقدم». شارون تابع: «وفي 17/9، حاولت قوات الكتائب ادخال قوات أخرى وآليات، ولكن قواتنا لم تسمح لهم بالدخول، وبعد أن علم جيشنا بما حدث في المخيمات دخل وأوقف المذبحة». وارتفعت حرارة النقاش الصاخب في الجلسة حين تحدى شارون زعيم حزب العمل شيمون بيريز أن يذكر أين كان الضباط الاسرائيليون «عندما كان الكتائبيون يقتلون الفلسطينيين في تل الزعتر» وقال: «لقد كنت عندئذ وزيراً للدفاع يا سيد بيريز وأتحداك أن تجرؤ على القول أين كان هؤلاء الضباط الذين كانوا ينفذون أوامرك». وطلب بيريز كلمة عاجلة للرد واصفاً ما قاله شارون بأنه «كذاب إجرامي» وقال: «لم يحدث أن كانت هناك أي علاقة بين الجيش الاسرائيلي ومرتكبي هذه المذبحة».

الأحد، 16 سبتمبر 2012

مأزق "السياسات الكبرى"


عندما أطلّ علينا خبر هجوم بعض الليبيين المسلّح على مقر القنصلية الأميركية في بنغازي احتجاجاً على الفيلم البذيء المسيء للنبي محمد وعندما نُقلت إلينا الصورة المؤثرة لجثة السفير الأميركي في ليبيا كريس ستيفنز، خرج من يُخبرنا عن أقلية عنيفة أو عن "هجوم مخطّط له"، على ما قال قائد وحدة العمليات الخاصة التي حاولت حماية دبلوماسيي السفارة، النقيب فتحي العبيدي.

قبلها، وعندما بدأت أحداث "الربيع العربي"، غنّى كثر موّال اسقاط المواطنين العرب للشعارات القومية الكبرى التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، واستيقاظهم على الاهتمام  بشؤون حياتهم اليومية والتفاتهم إلى قضايا أكثر جدوى كالمطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة، بدل التهامهم شعارات الأنظمة التسلطية الدسمة التي ما كانت تهدف إلا إلى السيطرة على حياة المواطنين ونهب ثروات بلادهم.

الآن، علينا أن نبدأ بفهم طبيعة عالمنا العربي وبإعادة الاعتبار لوقائع تم إغفالها في التحليلات ـ التمنّيات الكثيرة التي استهلكت كمية كبيرة من الحبر والورق. والفهم ضروري إذا ما أردنا التأثير إيجاباً في محيطنا والتأسيس لمستقبل أفضل.

ليست هذه المراجعة التي أقدمها في هذه العجالة، ولا بأي شكل من الأشكال، محاولة لمساواة واقع ما قبل الانتفاضات العربية بواقع ما بعد هذه الانتفاضات. فأنا من مؤيدي تغيير الأنظمة التسلطية، بغض النظر عن البديل الذي سيخلفها، من سوريا حتى البحرين ووصولاً إلى إيران وإلى السعودية. إنما القصد العودة إلى فهم الواقع لأننا نريد التأسيس لمستقبلنا حيث نحن ولن نستطيع الرحيل إلى كوكب آخر (هكذا قال وزير خارجية البحرين للمعارضين هناك!).

هناك موضوعين أساسيين سيبقيان في أولويات السياسات العربية في العقد القادم. الأول هو العلاقة مع اسرائيل والثاني هو العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي كثير من الأحيان سيعود استخدام هذين الموضوعين والشعارات الكبرى الخارجة من رحمهما لوأد الحرية والديمقراطية ولانتهاك الكرامة الإنسانية للمواطنين وإن حصل اختلاف في شكل القمع.

بالنسبة للموضوع الأول، لن تستطيع أيّة قوّة سياسية عربية في أيّة دولة عربية اعتماد سياسة مهادنة مع اسرائيل للتفرغ لبناء مقدرات شعب هذه الدولة وتطوير الديمقراطية في نظامها السياسي. هذا على افتراض اهتمام القوى السياسية بشعوب دولها وبدمقرطة الحياة السياسية. السبب في ذلك يكمن في أن معارضيها سيجدون موقعاً هاماً للتصويب عليها من أجل مزاحمتها شعبياً وهو موقع المزايدة في العداء لإسرائيل. هذا الهجوم من المعارضين سيدفع هذه القوة السياسية إلى مزايدة مضادة على خصومها لسحب فتيل هجومهم. والنتيجة: سنعود إلى سماع الرندوحة التي تقول بأن الحياة مؤجلة بسبب اسرائيل! فبين رفض زعيم حزب الأمة الإسلامي السوداني حسن الترابي انقلاب الإسلاميين على المعاهدات القائمة مستشهدا بآية من القران الكريم "أتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّته" (كلام قاله في ندوة "الاسلاميين والثورات العربية" في الدوحة في 13 أيلول الجاري) وبين اعتبار زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أيمن الظواهري أن الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ستقرب المسلمين من هدفهم النهائي، وهو هزيمة إسرائيل (في شريط صوتي وضع على الإنترنت في 13 أيلول الجاري) وبين شعارات معارضات ناصرية وقومية ويسارية لن نلبث أن نرى أنفسنا من جديد أمام معادلة "الحياة مؤجلة بسبب اسرائيل".

بالنسبة للموضوع الثاني، أي العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، لن تلبث الجماهير العربية أن تعود إلى إلقاء كل أوزار تقصيرنا عن مواكبة العصر إلى هذه الدولة وإلى غيرها من الدول الغربية. بعد التدخل الاميركي العسكري في العراق تفاجأ الأميركيون بأن العراقيين لم يقابلوهم بالورود. بعد تحرير ليبيا من الطاغية القذافي تفاجأت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، عقب المأساة التي حصلت في بنغازي، من غياب الزهور (علقت كلينتون على مقتل السفير الأميركي بالقول: "كيف يمكن ان يحدث هذا؟ كيف يمكن ان يحدث هذا في بلد ساعدنا على تحريره، وفي مدينة ساعدنا على إنقاذها من التدمير؟")، وفي مصر شاهدت الولايات المتحدة الأميركية علم تنظيم القاعدة الإرهابي يعلو مبنى سفارتها في القاهرة... في ذكرى 11 أيلول ثم اليمن وتونس والسودان... ماذا يحصل؟ يتساءل الأميركيون. ما يحصل هو أن علاقة الشعوب العربية بالولايات المتحدة علاقة شديدة التعقيد ولن تخفف من تعقيداتها مساعدة أميركية هنا وموقف أميركي هناك. منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي والمواطن العربي يسمع خطاباً يلقي على الولايات المتحدة وزر بؤسة لا بل ووزر بؤس العالم كلّه. نقد الولايات المتحدة صار في اللاوعي العربي ويصعب علاجه. كل ما لا نفهمه نقول عنه أنه مؤامرة أميركية. اتهام أميركا هو، في جزء كبير منه، تعويض عن قلة حيلتنا في التحليل المنطقي. نقول مؤامرة ونقطة على السطر! أعلام تنظيم القاعدة على مبنى السفارة الأميركية في القاهرة أرعبت الرئيس المصري محمد مرسي مبادر إلى القول أن نبيّنا"نفديه كلنا بكل ارواحنا ومهجات قلوبنا". اليوم موقف مرسي "ممنوع من الصرف" أما إذا ما قوي خصومه فسيجد نفسه مجبراً على المزايدة عليهم. لا يعني كل ما قلته أنه لا تقع على الولايات المتحدة مهمات كثيرة إذا ما أرادت بناء علاقة جيدة مع الشعوب العربية وعلى رأس هذه المهمات الضغط على إسرائيل من أجل التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية وحثها على الإنسحاب من الأراضي اللبنانية والسورية التي تحتلّها ولجم عدوانيتها تجاه محيطها، وبعدها الاعتذار عن سياسات عهود أميركية سابقة أيّدت الديكتاتوريات في عالمنا (لم تعتذر الكنيسة الكاثوليكية عن قرارات كنسية قديمة ولا تعتذر الولايات المتحدة؟!). ومع كلّ هذا، إذا ما حصل، ستكون عملية بناء الثقة عملية بطيئة. الحلّ ليس بإرسال حفنة من المارينز بعد الإعتداء على السفارات. هذه مفاقمة للمشكلة ليس أكثر. هذه عودة إلى التخاطب مع الأنظمة والجيوش بدل الشعوب.

ماذا يحصل؟ أميركا هي الغرب والغرب هو سبب مآسي الشرق. هكذا هو الوعي العامي للمسائل، وعي يتأسس على نسبة من الحقيقة وأضعافها من الإسقاطات. فما دخل المانيا وبريطانيا بفيلم أميركي ليعتدي على سفارتيهما السودانيون وأساساً ما دخل الولايات المتحدة نفسها بالفيلم البذيء وإن صنع على أرضها؟! هل نريد كثير إيضاح لنتبيّن أن المسألة هي مسألة تفريغ غضب وكره كامنين؟ شعار الحرية لا يمكن أن يتغلّب على شعار الهوية. على الغرب وعي دقة وحساسية هذه المسألة وألا يرتجلوا سياسات غبيّة.

من الصعب تأسيس سياسات عربية خارج الشعارات الكبرى المتمثلة بالعلاقة مع اسرائيل وبالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. هذه الشعارات وصفات جاهزة ولا تحتاج لا إلى تعليلات ولا إلى تبريرات والجمهور العربي اعتاد عليها ما يسهّل مهمة الحكام.

الاثنين، 3 سبتمبر 2012

الخوف من الحقوق


أحياناً نخاف من بعض الحقوق. نسارع إلى العمل على طمسها تماماً كما نتجنّب الإشارة إلى بعض الإشكاليات الواقعية ظنّاً منّا أن تجاهلها ينفيها. نحن نعيش حالة إنفصام حادة بين خطابنا والواقع. ننمّق خطاباتنا ونصنع صورة عن مجتمعاتنا لا يخفف من رونقها سوى الدم الذي يلوّن نواصي طرقاتنا وأزقتنا. نقول: لا نعرف سبب كلّ هذا العنف. والحقيقة: لقد أدمتنا خطاباتنا المكرورة التي لا تتفق سوى مع نفسها، ويوماً بعد يوم، تتضاعف المسافة الضوئية بينها وبين واقعنا.

اليوم، نتحاشى الحديث عن حقوق الأقليات في مجتمعاتنا العربية المتنوعة. نتحاشى الحديث عنها متوّهمين أن تغييب هذا النقاش الأساسي يصنع مجتمعات موحّدة تزخر بها أدبياتنا السياسية البائدة.

في ثقافتنا، يربط مفهوم حقوق الأقليات بمصطلحات سبق لنا أن نسبناها إلى جملة شياطين متآمرة وجعلناها حاملة لأقصى السلبية كمصطلحات التفتيت، التقسيم، الفوضى الخلاقة... كما يرتبط بمقولات ابتدعناها كمقولة أن هناك متآمرين يعملون على إضعاف دولنا ومجتمعاتنا ليسهل عليهم هضمها. وكأن السياسية عملية هضمية. وكأن منعة مجتمعاتنا تلهم مخيّلة الروائيين!

لا ننظر إلى تجارب مجتمعات حققت تقدمها بعد اعتراف مكوناتها بحقوق بعضها البعض وبحقهم في التعبير عن ثقافتهم بحرية. لا ننظر إلى تجربة الفرنكوفون والانكلوفون في كندا وإلى تجارب تمتد من انكلترا إلى المانيا إلى ايطاليا وبلجيكا وأسبانا و... وتؤكد أن الاعتراف بحقوق الأقليات يساعد في تحقيق استقرار المجتمعات. ولمَ ننظر إلى الآخرين؟ أرضنا مهد الحضارات ومهد الديانات!

الإنتماء الوطني هو شعور اختياري لا يمكن فرضه بالقوة. إذا أردنا استقرار مجتمعاتنا علينا تعميق هذا الشعور الاختياري.

الهويات الإنسانية هي عملية مركبة وشديدة الحساسية. ليست لدينا هوية واحدة. هويتنا هي طبقات مركبة بعضها فوق بعض: فيها الهوية الوطنية والهوية الدينية أو الطائفية والهوية العائلية والهوية المهنية والهوية المناطقية وصولاً إلى الهويات الرياضية و...

في الدول العربية، بشكل خاص، منحى منتشر ينحو إلى التعميم وإلى طمس طبقات الهوية وإلى النظر إلى الإنسان وكأنّه ذو بعد واحد هو البعد المذهبي في شخصيته. نتقرّب إلى الإنسان إذا ما اشترك معنا في هذا البعد ونبتعد عنه وتتوتر علاقتنا به إذا ما اختلف عنّا ببعده هذا. هذا المنحى التعميمي والإختزالي يعمّق الشعور المذهبي لأن كل إنسان يتم تعريفه وفق بعده هذا يصير مستلباً إذا ما أعلن عدم اهتمامه بهذا الجانب من هويته ما يدفعه الى التعلّق الحربي به. والنتيجة لهذا المنحى نعرفها جيداً: جثث مرمية على قارعة الطرقات!

في منطقتنا العربية خوف قديم من الآخر يعتمر في نفوس الجميع وخاصة في نفوس أبناء الأقليات الدينية. منشأ هذا الخوف حوادث تاريخية مخضبة بالدم. ومع التغيّرات التي تحدث في عالمنا العربي نواجه تحدياً أساسياً هو تحدي إزالة هذا الخوف. لا يمكن إزالة هذا الخوف بإنكاره وبإرجاع كل توتر بين المجموعات الإجتماعية إلى سياسات تفرقة كانت تقوم بها الأنظمة التسلطية. المسألة أعقد بكثير من هذا التبسيط. أما علاج هذا الخوف المزمن فمدخله الوحيد الاعتراف بحقوق المجموعات الاجتماعية المتنوعة واحترام عاداتها وتقاليدها وإشراكها في السلطة السياسية. وغير هذا هو كلام هذر سيدخلنا في دوامة جديدة من العنف الذي نعمل على تجفيفه من مستنقعاتنا التي نسميها دولاً.

إذا ما تم الاعتراف بحقوق الأقليات في مجتمعاتنا وإذا ما تغيّر وعينا وصرنا نتقبل الاختلاف ونحترمه ستتقلص أهمية هذه الطبقة في هويتنا وستعلو أهمية طبقة الانتماء للوطن. وعندها نستطيع الشروع في عملية بناء دول حديثة ومستقرة.