صورة المدونة

صورة المدونة

الاثنين، 3 سبتمبر 2012

الخوف من الحقوق


أحياناً نخاف من بعض الحقوق. نسارع إلى العمل على طمسها تماماً كما نتجنّب الإشارة إلى بعض الإشكاليات الواقعية ظنّاً منّا أن تجاهلها ينفيها. نحن نعيش حالة إنفصام حادة بين خطابنا والواقع. ننمّق خطاباتنا ونصنع صورة عن مجتمعاتنا لا يخفف من رونقها سوى الدم الذي يلوّن نواصي طرقاتنا وأزقتنا. نقول: لا نعرف سبب كلّ هذا العنف. والحقيقة: لقد أدمتنا خطاباتنا المكرورة التي لا تتفق سوى مع نفسها، ويوماً بعد يوم، تتضاعف المسافة الضوئية بينها وبين واقعنا.

اليوم، نتحاشى الحديث عن حقوق الأقليات في مجتمعاتنا العربية المتنوعة. نتحاشى الحديث عنها متوّهمين أن تغييب هذا النقاش الأساسي يصنع مجتمعات موحّدة تزخر بها أدبياتنا السياسية البائدة.

في ثقافتنا، يربط مفهوم حقوق الأقليات بمصطلحات سبق لنا أن نسبناها إلى جملة شياطين متآمرة وجعلناها حاملة لأقصى السلبية كمصطلحات التفتيت، التقسيم، الفوضى الخلاقة... كما يرتبط بمقولات ابتدعناها كمقولة أن هناك متآمرين يعملون على إضعاف دولنا ومجتمعاتنا ليسهل عليهم هضمها. وكأن السياسية عملية هضمية. وكأن منعة مجتمعاتنا تلهم مخيّلة الروائيين!

لا ننظر إلى تجارب مجتمعات حققت تقدمها بعد اعتراف مكوناتها بحقوق بعضها البعض وبحقهم في التعبير عن ثقافتهم بحرية. لا ننظر إلى تجربة الفرنكوفون والانكلوفون في كندا وإلى تجارب تمتد من انكلترا إلى المانيا إلى ايطاليا وبلجيكا وأسبانا و... وتؤكد أن الاعتراف بحقوق الأقليات يساعد في تحقيق استقرار المجتمعات. ولمَ ننظر إلى الآخرين؟ أرضنا مهد الحضارات ومهد الديانات!

الإنتماء الوطني هو شعور اختياري لا يمكن فرضه بالقوة. إذا أردنا استقرار مجتمعاتنا علينا تعميق هذا الشعور الاختياري.

الهويات الإنسانية هي عملية مركبة وشديدة الحساسية. ليست لدينا هوية واحدة. هويتنا هي طبقات مركبة بعضها فوق بعض: فيها الهوية الوطنية والهوية الدينية أو الطائفية والهوية العائلية والهوية المهنية والهوية المناطقية وصولاً إلى الهويات الرياضية و...

في الدول العربية، بشكل خاص، منحى منتشر ينحو إلى التعميم وإلى طمس طبقات الهوية وإلى النظر إلى الإنسان وكأنّه ذو بعد واحد هو البعد المذهبي في شخصيته. نتقرّب إلى الإنسان إذا ما اشترك معنا في هذا البعد ونبتعد عنه وتتوتر علاقتنا به إذا ما اختلف عنّا ببعده هذا. هذا المنحى التعميمي والإختزالي يعمّق الشعور المذهبي لأن كل إنسان يتم تعريفه وفق بعده هذا يصير مستلباً إذا ما أعلن عدم اهتمامه بهذا الجانب من هويته ما يدفعه الى التعلّق الحربي به. والنتيجة لهذا المنحى نعرفها جيداً: جثث مرمية على قارعة الطرقات!

في منطقتنا العربية خوف قديم من الآخر يعتمر في نفوس الجميع وخاصة في نفوس أبناء الأقليات الدينية. منشأ هذا الخوف حوادث تاريخية مخضبة بالدم. ومع التغيّرات التي تحدث في عالمنا العربي نواجه تحدياً أساسياً هو تحدي إزالة هذا الخوف. لا يمكن إزالة هذا الخوف بإنكاره وبإرجاع كل توتر بين المجموعات الإجتماعية إلى سياسات تفرقة كانت تقوم بها الأنظمة التسلطية. المسألة أعقد بكثير من هذا التبسيط. أما علاج هذا الخوف المزمن فمدخله الوحيد الاعتراف بحقوق المجموعات الاجتماعية المتنوعة واحترام عاداتها وتقاليدها وإشراكها في السلطة السياسية. وغير هذا هو كلام هذر سيدخلنا في دوامة جديدة من العنف الذي نعمل على تجفيفه من مستنقعاتنا التي نسميها دولاً.

إذا ما تم الاعتراف بحقوق الأقليات في مجتمعاتنا وإذا ما تغيّر وعينا وصرنا نتقبل الاختلاف ونحترمه ستتقلص أهمية هذه الطبقة في هويتنا وستعلو أهمية طبقة الانتماء للوطن. وعندها نستطيع الشروع في عملية بناء دول حديثة ومستقرة.

ليست هناك تعليقات :