غداً يصادف الثلاثين من آب. غداً هو اليوم العالمي للمفقودين. لبنان
واللبنانيون معنيون بشكل مباشر بهذه المناسبة. ليس فقط لأن في لبنان ملف يراوح
مكانه منذ أكثر من عقدين هو ملف المفقودين اللبنانيين خلال الحرب اللبنانية
الأهلية. ليس فقط لهذا بل لأن مراوحة هذا الملف تؤكد أن المفقود الحقيقي هو الدولة
اللبنانية. الدولة اللبنانية هي المفقود.
مع انتهاء الحرب اللبنانية الأهلية، رسمياً، بتوقيع اتفاق الطائف وما تلاه
حتى إسقاط الجنرال عون كان على "الدولة" أن تنتهج سياسات تعالج
المواطنين اللبنانيين مما أصابهم خلال 15 سنة من التقاتل. لم تقم
"الدولة" الوليدة بأي شيء وهذا موضوع آخر.
بقي ملف المفقودين اللبنانيين خلال الحرب الأهلية بلا أيّة معالجة. في
لبنان اسرائيل خطفت لبنانيين وسوريا خطفت لبنانيين والمنظمات الفلسطينية خطفت
لبنانيين وأجهزة الاستخبارات العاملة في لبنان خطفت لبنانيين واللبنانيون
وميليشياتهم خطفوا لبنانيين وإليهم يعود النصيب الأكبر في المأساة. الكلّ يتجرأ
على الحديث عن دور اسرائيل في المأساة. أما باقي المفقودين فالحديث عنهم موسمي
ومسيّس ما يدل على أن اللبنانيين الذين يتعاطون في الملف لهم اعتبارات تتجاوز حقوق
الإنسان، أو على الأقل لنقل أن الظرف السياسي هو الذي يوقظهم على مفهوم حقوق
الإنسان.
كثيرة هي تعقيدات ملف المفقودين اللبنانيين. كثيرة ومؤلمة. مثلاً نقول أن
عددهم هو 17000 ولكننا في الحقيقة نكذب لأننا لا نعرف الرقم. الرقم 17000 هو رقم
وهمي يضاف إلى تواريخ وهمية نؤرخ بها لحياتنا الوهمية. كل ما استطاع العاملون على
هذا الملف توثيقة لا يتعدى بضع آلاف من الأسماء. وكلّ من يعمل على الملف يعمل بشكل
منفرد ويرفض التعاون مع الآخرين. ما يمتلكه من معلومات لا يشارك به الآخرين لأنه
رصيده في "مهنة حقوق الإنسان".
بالأمس طلبت "اللجنة
الدولية للصليب الأحمر" من الأسر التي لديها أشخاص فقدوا خلال النزاعات
المسلّحة في لبنان الاتصال ببعثتها من أجل تقديم معلومات عن أقاربهم المفقودين
كجزء من مشروع لجمع البيانات السابقة على الاختفاء. كل فترة نعود إلى نقطة
الصفر. هل هذا معقول.
ليس هذا الأهم. الأهم هو كيف نطلب من "دولة" لا تستطيع وقف
عمليات الخطف أن تعالج ملف المفقودين اللبنانيين. هل نسينا المهندس جوزيف صادر
المفقود منذ سنوات عدّة؟ هل نسينا المعارض السوري شبلي العيسمي؟وموجة الخطف الأخيرة؟ والتهديدات بخطف لبنانيين التي رافقتها؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق