"آباؤنا عاشوا النزوح ونحن نعيشه الآن، ونخاف أن يعيشه أولادنا
في المستقبل"، يقول نازح فلسطيني من مخيّم اليرموك إلى مخيّم الجليل. جملة
تلخّص حال أمثاله ممَّن لجأوا إلى ديار الشتات الفلسطيني في بعلبك حيث بالكاد
تتوفر لـ"السكان الأصليين" مقومات الحياة الأساسية.
في غرفة اسطبل لا تصلها الشمس، كانت
مخصصة لخيول جيش الانتداب الفرنسي، تبكي إمرأة عشرينية حال رضيعها المصاب بالربو
وتلوّح بتقرير طبي أشار فيه الطبيب إلى ضرورة إسكان الطفل في مكان يصله الهواء
النقي. إحدى الغرف الصغيرة يتقاسمها 13 شخصاً. "كانوا في العراء تحت المطر.
لذلك أعطيتهم غرفتي هذه"، تقول صاحبة المنزل الستينية. في مخيّم الجليل،
تأمين المأوى للنازحين هو المشكلة الأساسية.
منذ تموز الماضي بدأ الفلسطينيون
النازحون من سوريا بالوصول إلى مخيّم الجليل. قبل ذلك، كان في المخيّم ما يكفي
سكّانه من مشاكل. "النازحون يحزنون علينا بسبب ظروف عيشنا"، يقول وليد
عيسى، عضو اللجان الشعبية. "قبل النزوح كانت حالتنا تشبه النكبة"، يصف
عمر قاسم موسى، أمين سر اللجنة الشعبية ظروف الحياة هناك.
يشكو موسى تفشي البطالة وصعوبة توفير
المحروقات في فصل الشتاء وتلوث مياه البئر الإرتوازي الوحيد في المخيّم وحالة
البنى التحتية الكارثية. ولكن بعد النزوح من سوريا اختلف الوضع. زاد سوءاً.
على أرض ثكنة "ويفل" العسكرية
الفرنسية التي لا تتعدى مساحتها 43 ألف متر مربّع، يقوم مخيّم الجليل. قبل بدء
موجات النزوح كانت تقيم فيه حوالى 550 عائلة معدّل أفرادها 5. الآن يأوي أكثر من ألف عائلة.
يواجه سكان المخيّم الذي يحمل اسم أرض
أوائل اللاجئين "معضلة إسكان النازحين"، على حد تعبير موسى، فالنازح
الفلسطيني من سوريا يتوجه مباشرة إلى المخيمات "لأن الفلسطيني يشعر بهمّه
ولأنه لا يعرف مكاناً آخر يتوجه إليه". "نقص نصف عمرنا في الأشهر السبعة
الأخيرة. يأتي الفلسطينيون النازحون ويبكون ونحن لا نستطيع مساعدتهم"، يشكو
كارم طه، أمين سر اللجنة الشعبية لتحالف القوى الفلسطينية. "المعضلة"
تواجه فقراء المخيّم الذين لا يمتلكون الموارد المالية اللازمة لهجره إلى ما هو
أفضل منه.
الفصائل الفلسطينية فتحت مكاتبها
لاستقبال للنازحين. بعض سكان المخيّم تخلوا عن غرفة يمتلكونها لإيواء أبناء وطنهم.
آخرون أجّروا بيوتهم. بالقرب من المخيّم وإلى جانب مدفنه، أقيم "مركز الإيواء
رقم 1" على أرض تعود ملكيتها للوقف الإسلامي. هذا المركز كان سابقاً مسبحاً
وصالة للأفراح وقاعة لتقبل التعازي. حوّلته جمعية "الغوث الإنساني
للتنمية" إلى 27 غرفة تأوي 37 عائلة. هنا الوضع جيّد إذ تتوفر التدفئة ووجبة ساخنة يومية
وغيرها من التقديمات. داخل المخيّم حوّلت الجمعية مكاتب حركة حماس ومدرسة
"دار الغفران" لتعليم القرآن إلى مركزين آخرين للإيواء.
ولكن هذا لا يكفي. من جانبها،
"لا تقدّم الأونروا شيئاً يذكر لحل مشكلة الإيواء"، يقول وليد عيسى. قبل
مدة اعتصم سكان المخيّم وطالبوا الوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين بنقل
مسؤوليتها عن الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان وبتوفير المأوى لهم. هددوا باقتحام
المباني التابعة لها وتحويلها إلى أماكن للإيواء. "سنستثني المدارس. ستكون
آخر الخيارات الصعبة المؤلمة بالنسبة لنا"، يقول كارم طه ويضيف: "لن
نترك بناتنا في الشوارع". اليوم (الثلاثاء)، نفذت اللجان الشعبية نصف تهديداتها. أغلقت
مكتب مدير الأونروا في المخيم وأرسلت مذكرة ثانية إلى الوكالة الدولية أبلغتها
فيها أن اللجان ستفتح المباني التابعة لها في حال وصول نازحين جدد. اللجان قررت
الاجتماع نهار الخميس المقبل لتقييم الوضع وتحديد وجهة تحركاتها القادمة بناءً على
المستجدات.
ما الذي تستطيع الأونروا فعله؟ المخيم
ضيّق ولا يمكن إضافة أبنية جديدة داخله. بالقرب من المخيم توجد قطعة أرض وهبتها
منظمة التحرير الفلسطينية للوقف الإسلامي عام 1982. "يمكن للاونروا أن تأتي
ببيوت متحركة كتلك التي تم تأمينها لسكان مخيّم نهر البارد ووضعها على قطعة الأرض
هذه"، يقول محمد خلف، مدير مراكز الإيواء في
مخيّم الجليل. "عرضنا هذه الفكرة على أحد المقربين من رئيس الحكومة اللبنانية
فرفضها بحجة أنه سيتهم بالعمل على توطين الفلسطينيين"، يقول كارم طه. مصادر
الأونروا تقول أنها ممنوعة من إقامة مراكز إيواء خارج المخيّم. "إجتهم من
غيمة هالحجة"، يقول أسامة عطواني، عضو اللجان الشعبية الذي يتهم الوكالة
الدولية بما يسميه "انتهاج سياسة تقليص لتقديماتها".
"نحن نحب سوريا.
لحم أكتافنا من خيرها"، تقول نازحة خمسينية فتثير امتعاض أحد عناصر حركة حماس
الذي يجيبها: "كلنا بنحب سوريا. بس اتفقنا ما نحكي سياسة". "ناطرين
نرجع عبلدنا"، تقول نازحة أخرى تتدلى من عنقها سلسلة ذهبية غليظة. وعند
استفسارها عن قصدها تجيب: "أقصد سوريا. حتى لو عدنا إلى فلسطين لا أعرف إن
كنت سأقدر على العيش هناك".
نشر في موقع المدن في 3/3/2013
www.almodon.com
الصور المرفقة بعدسة زهراء مرتضى
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق