"الشعب يريد الجيش".
هكذا قرّر القيّمون على الحملة "الشعبية" الهادفة إلى دعم الجيش
اللبناني بمناسبة اقتراب موعد عيد الجيش في الأول من آب. تعددت الإعلانات والجوهر
واحد: إنفصام عن الواقع!
مديرية التوجيه في الجيش قررت التوجه إلى اللبنانيين في هذه المناسبة بشعار
يتيم هو "وعدي إلك وحدك". لم يختر الجيش مخاطبة اللبنانيين بعبارة تعكس
إرادته الصلبة في تطبيق القوانين وردع المخالفين لإشعارهم بأمانٍ يفتقدونه. اكتفى
بشعار بسيط وعام أراد من خلاله التأكيد على دوره الوطني وعلى حصرية ارتباطه بالوطن
لا بأي كيان آخر.
ولكن إلى جانب شعار الجيش انتشرت إعلانات حملة "الشعب يريد الجيش". تبنّت الحملة شعاراً يتنافى مع واقع الحال الذي يعيشه اللبنانيون خاصةً في الشهرين الأخيرين. من عرسال والحدود اللبنانية ـ السورية إلى صيدا مروراً بطرابلس وأماكن أخرى وجّهت قوى سياسية عدّة انتقادات لعمل الجيش. وعلى الرغم من هذا الواقع الإنقسامي، قرر أحدهم أن "الشعب يريد الجيش"! لعلّه يختصر الشعب بنفسه!
ولكن إلى جانب شعار الجيش انتشرت إعلانات حملة "الشعب يريد الجيش". تبنّت الحملة شعاراً يتنافى مع واقع الحال الذي يعيشه اللبنانيون خاصةً في الشهرين الأخيرين. من عرسال والحدود اللبنانية ـ السورية إلى صيدا مروراً بطرابلس وأماكن أخرى وجّهت قوى سياسية عدّة انتقادات لعمل الجيش. وعلى الرغم من هذا الواقع الإنقسامي، قرر أحدهم أن "الشعب يريد الجيش"! لعلّه يختصر الشعب بنفسه!
قراءة بسيطة للواقع اللبناني تثبت أنه لا يمكن لمؤسسة الجيش أن تقوم بدورها
بشكل يرضي جميع القوى السياسية واستطراداً جميع فئات الشعب اللبناني. كل طرف من
طرفي الصراع اللبناني يريد من الجيش ضرب خصومه ويدعوه ضمنياً إلى بناء تحالف معه
في مواجهة الآخرين. وهكذا، فإن الإنتظارات الشعبية من الجيش تتناقض إلى حدّ أن
أيّة عملية ينفذها الجيش لن تستطيع أن تثير قراءة لها من خارج الإنقسام اللبناني.
يشهد على هذا الأمر التوزيع السياسي ـ الطائفي للمتضامنين مع الجيش حين كل عملية
ينفذها. اللبناني ما عاد يطيق الاستماع إلى أي لحن لا
ينسجم مع سيمفونية طائفتة. هذا هو الواقع.
"أنا نازلي قلبي
أعطيهن"، "أنا نازل أوقف حدّن"، "أنا نازلي لربّي
صلّيلن" (جملة لا تصلح حتى لغوياً)، "أنا نازل إكبر فيهن"... تأتي
إجابات مواطنين يرتدون بذلة الجيش على سؤال "إنت شو نازل تعمل؟". يتم
تصوير الجيش في حملة التضامن معه ككيان يحتاج إلى رعاية شعبية ليشتّد بها عوده. ولهذا
الغرض يتم تنظيم احتفال شعبي بعيده الذي، في العادة، لا يشهد احتفالات شعبية!
يعطي القيّمون على الحملة الجيش تفويضاً شعبياً من المواطنين بمعزل عن
مؤسسات الدولة السياسية. الخطير في هذا الأمر أن قراءة رسائل الإعلانات لا يمكن
إلا أن تكون إنقسامية بسبب إنقسام اللبنانيين. فإعلانات "الشعب يريد
الجيش" تنتشر بكثافة على الأوتوستراد الذي يصل الدورة بجبيل وتظهر بخجل في
المناطق الأخرى. وهكذا تتنافس مع إعلانات للتيار الوطني الحر وللقوات اللبنانية موضوعها
استرجاع حقوق المسيحيين! غياب العدالة في التوزيع يُحفّز على قراءة غير وطنية للرسالة.
هل انتبه المُعلن إلى هذه المسألة؟
لا تنطلق الإعلانات من الواقع الدستوري اللبناني الذي يفوّض مجلس الوزراء
صلاحية اتخاذ القرارات السياسية ولا يترك للجيش سوى دور تنفيذي. يعود ذلك إلى خطأ
في فهم دور الجيش في الأنظمة الديمقراطية، خطأ يعود إلى فترة الإنتداب السوري حين
كان يتم الإحتفال في الأول من آب بعيد الجيشين اللبناني والسوري. تسربت الثقافة البعثية
إلى لغة القوى السياسية اللبنانية ووصلت حتى إلى مؤسسة الجيش اللبناني. ظهر مصطلح
راح يتردد في ما بعد بصورة آلية دون الانتباه إلى مضامينه. إنه مصطلح "عقيدة
الجيش".
يعود هذا المصطلح الخطير على الحياة الديمقراطية الطبيعية إلى يسار حزب
البعث وبالتحديد إلى أكرم الحوراني الذي كان يعوّل على إدخال عناصر حزبية مؤدلجة إلى
الجيش السوري. في الأنظمة الديمقراطية يلعب الجيش دور أداة تنفيذية تتبنّى السياسة
التي تحددها المؤسسات الدستورية. لا يحق للجيش تبنّي عقيدة بمعزل عن السلطة
السياسية فهو يجب أن يكون مؤسسة غير عقائدية ومرتبطة بهذه السلطة.
الحملة الإعلانية "الشعبية" تصل إلى حدّ التوجه للجيش، بلسان
اللبنانيين، بالقول: "إنت فصّل كلنا منلبس". هو الإنقسام السياسي في
لبنان يدفع بالبعض إلى انتظار مخلّص ما. ولكن عفواً. هذا شعار مرفوض جملة وتفصيلاً
في نظام ديمقراطي وفي دولة لا تزال تعاني من آثار كتاب فؤاد عون المعنون
"الجيش هو الحل" وفي واقع إقليمي شهد مؤخراً ظاهرة عبد الفتاح السيسي.