صورة المدونة

صورة المدونة

الأربعاء، 29 مايو 2013

سويسرا الشرق الكتائبية


هل أراد حزب الكتائب حين طرح شعار "حياد لبنان" العودة إلى حكاية "سويسرا الشرق"؟ يأخذ هذا الشعار حين تطرحه قوة سياسية كالكتائب أبعاداً تُغري بقراءة الحاضر على ضوء الماضي. يتغلّف بنوع من الغموض المنبعث من ارتباط ماضي الحزب به، ومن تلك الفلسفة السياسية التي كانت تنطوي على أبعاد تنشد فصل لبنان عن مشاكل محيطه العربي. ولكن الماضي انقضى وتغيّرت الظروف. فماذا الآن؟
 
كل القصة بدأت مع إعلان النائب سامي الجميّل أن حزب الكتائب قرر التقدّم "بقانون لإدخال فقرة في مقدمة الدستور تتبنى بشكل صريح حياد لبنان عمّا يجري من حوله". المضمون الغامض لهذه الفقرة، وإمكانية قراءتها بأشكال مختلفة، أظهرت حزب الكتائب كقوّة سياسية طامحة إلى وضع بصمة جديدة على الصيغة اللبنانية.


في أعقاب الجولات التي قام بها الفريق الكتائبي على القوى السياسية، خرجت تعليقات تزيد غموضاً على غموض الطرح الكتائبي. ظهرت المسألة وكأن النقاش الذي رافق نشأة الكيان اللبناني، يُستعاد من جديد. تقمّص كثيرون دور كاظم الصلح وقدّموا تصوّراتهم عن "مشكلة الاتصال والانفصال في لبنان"!
 
في عين التينة، نبش رئيس مجلس النواب نبيه بري موقفاً للبطريرك الماروني بولس بطرس المعوشي، يعود إلى العام 1958، ويعتبر فيه أن "الحياد الذي نريده لا يمكن أن نستقي مبادئه من الحياد النمساوي أو أن تنعكس عليه إرادة الأجانب، وهو في كل حال يجب أن يتضمن استثناءين: أولهما خاص باسرائيل وثانيهما خاص بالبلاد العربية، إذ لا يجوز أن نكون محايدين بالنسبة الى البلاد العربية التي نحن جزء منها". ظهرت المسألة وكأن المطلوب حياد لبنان في الصراع على جزر الفوكلاند!
 
كذلك، لفت النائب نواف الموسوي إلى "أن ثمة مقاربة يمكن اعتمادها تقوم أولاً على تحديد ماهية التهديدات التي يواجهها لبنان، وفي ضوء تحديدها يمكن أن نقترح أشكال مواجهتها وآليتها". أراد نائب حزب الله وضع المسعى الكتائبي في ذات المتاهة حيث تقع معضلة "الاستراتيجية الدفاعية". تضامنت القوى السياسية الشيعية مع الغموض الكتائبي ولم يقل أحد منهم إن المطروح ليس سوى "شيء رأيناه".
 
في الحقيقة، لا تزيد المبادرة الكتائبية عن كونها ترجمة محلية لتوجهات دولية تسعى إلى تحييد لبنان عن الصراع الدائر في سوريا وبالأخص إلى إيقاف الدور العسكري المستجدّ لحزب الله هناك. قبل أيام فقط من إطلاق الفكرة، قام المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي بجولة على السياسيين ونبههم إلى "أهمية المحافظة على سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية" وذكّرهم بـ"إعلان بعبدا".
 
بعبدا ليست بعيدة عن المبدأ الذي بنى عليه حزب الكتائب مبادرته. فرئيس الجمهورية ميشال سليمان يعتبر نفسه راعي "إعلان بعبدا" وحارسه الأخلاقي. لذلك، كان ولا يزال يمتعض من كل خرق لما اتفقت عليه هيئة الحوار الوطني في حزيران الفائت.
 
برعاية "حامي الدستور"، اتفق السياسيون على "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم". صيغت هذه الفقرة على مقاس الأزمة السورية.
 
ولكن الوقائع التي تلت هذا التفاهم أثبتت أن أكثر من طرف جنح عن محتواه وعرض عضلاته في الساحة السورية. وأمام النكث بالمواثيق، يبدو سليمان وكأنه فقد الثقة في قدرته على إحداث تغيير سياسي يحفظ السلم الأهلي في لبنان. لم يعد يمتلك سوى التذكير المتكرر بأن "ما يحمي لبنان هو إعلان بعبدا". بقية تصاريحه لا تعدو سوى كونها كرّاسات شرح وتذكير بما جرى التوافق عليه.
 
إذاً، وفي المضمون، لا جديد في المسعى الكتائبي خاصةً إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن تحويل "النأي بالنفس" أو "الحياد" إلى مبدأ دستوري عام لا يمكن أن يُبصر النور في دولة تقوم التوازنات السياسية داخلها على علاقة مركّبة بين الداخل والخارج. اللهم إلا إذا توافق الجميع على مبدأ دستوري جديد بغية خرقه إلى جانب غيره من فقرات القانون الأسمى.
 
ما يسعى إليه الحزب المسيحي العريق، سبق أن اتفق عليه اللبنانيون ولكن أكثر من طرف لم يحترم التزاماته. أما الباقي، فهو من عدّة العمل الكتائبية الهادفة إلى صناعة صورة لمّاعة للحزب في الأوساط المسيحية.
منشور في www.almodon.com  في 19/5/2013

ليست هناك تعليقات :