أخيراً، وبعد أشهر من الانتظار، وقّع
وزير الداخلية والبلديات مروان شربل على قرار تسجيل أول عقد زواج مدني في لبنان.
لم يتأخر رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في تغريدة منه، عن المباركة للعروسين. لكن
الوزير قرن توقيعه بـ"اشتراطات"، يعيد التقيّد بها الأمور إلى نقطة
الصفر! وقّع القرار مشترطاً تفريغ عقد الزواج من مدنيته.
القرار يطلب من المديرية العامة
للأحوال الشخصية تنفيذ تسجيل عقد زواج نضال درويش وخلود سكرية. ولكن الوزير اشترط
عليهما عدم تغيير طائفتيهما والتزامهما اتباع قانون الأحوال الشخصية المعمول به في
كل ما يتصل بمفاعيل هذا الزواج في حالات الإرث والطلاق والأولاد، لأن لا وجود في
القانون للطائفة 19، أي مَن "لا ينتمي الى طائفة"، وذلك ضماناً لحقوقهما
وحقوق أولادهما إلى حين صدور قانون مدني للأحوال الشخصية ينظم الزواج المدني
الاختياري واستتباعاته.
شربل اتخذ القرار "على
مسؤوليته". تأخر كثيراً لأنه كان يتلقى دراسات قانونية حول المسألة العالقة
بين يديه. أخيراً وجد ضالته. ولكنه اختار رأياً قانونياً "فاسداً ومتناقضاً
ومليئاً بالمغالطات".
لفهم المسألة يجب العودة إلى الأساس
القانوني الذي بنى عليه المحامي طلال الحسيني ليقول بإمكانية عقد زواج مدني على
الأراضي اللبنانية. استند الحسيني إلى القرار 60 ل.ر الصادر في 13/3/1936،
وبالتحديد إلى الفقرة الثانية من المادة العاشرة منه (معدلة وفقاً للقرار 146 تاريخ
18/11/1938) والتي تنص
على أنه: "يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون الى طائفة تابعة للحق العادي
وكذلك السوريون واللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما للقانون المدني في الأمور
المتعلقة بالأحوال الشخصية".
نضال وخلود اللذين شطبا طائفتهما من
سجلات النفوس، يقع عليهما حكم من "لا ينتمون لطائفة" وليس حكم المنتمين "إلى طائفة
تابعة للحق العادي". الوزير
شربل وقع في هذا الخلط حين قال إنه "لا وجود في القانون للطائفة 19، أي من لا
ينتمي الى طائفة".
ما يسمّى الطائفة 19 هو الطائفة
التابعة للحق العادي والتي حددتها المادة الثالثة من القرار 60 ل.ر. هؤلاء أيضاً
تخضع الأحوال الشخصية العائدة لهم للقانون المدني بحسب المادة 17 من القرار
المذكور. عناصر التشابه لا تبرر الوقوع في هذا الخطأ.
ليس الوزير شربل أول من يقع في هذا الخلط. قبله وقع فيه الوزير زياد بارود حين أفسح المجال أمام شطب الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس. والخطأ القانوني ذاته ارتكبته هيئة التشريع والاستشارات بانية عليه رأيها الذي قال بعدم جواز عقد الزواج المدني في لبنان، الرأي الذي عادت ونقضته الهيئة الاستشارية العليا بتأكيدها أن من حق اللبناني الذي لا ينتمي إدارياً إلى طائفه أن يتزوج مدنياً في لبنان.
ليس الوزير شربل أول من يقع في هذا الخلط. قبله وقع فيه الوزير زياد بارود حين أفسح المجال أمام شطب الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس. والخطأ القانوني ذاته ارتكبته هيئة التشريع والاستشارات بانية عليه رأيها الذي قال بعدم جواز عقد الزواج المدني في لبنان، الرأي الذي عادت ونقضته الهيئة الاستشارية العليا بتأكيدها أن من حق اللبناني الذي لا ينتمي إدارياً إلى طائفه أن يتزوج مدنياً في لبنان.
ولكن الأخطر في كلام شربل هو اشتراطه
على العروسين عدم تغيير طائفتيهما. لماذا؟ للاستفادة من مفاعيل القرار 60 ل.ر في
ما خص الزواج المدني كان على نضال وخلود شطب ذكر طائفتهما من سجلات النفوس ليصح
عليهما وصفهما بأنهما "لا ينتميان لطائفة".
فهناك قرار رقمه 53 وصادر بتاريخ
30/3/1939 ينص في المادة الأولى منه على أن القرار 60 ل.ر لا يطبق على المسلمين.
لذلك فتطبيق "شرط" شربل يحول، أساساً، دون عقد قرانهما مدنياً لأنه
يفقدهما الصفة الضرورية لإتمام هذا النوع من عقود الزواج.
ما هي مفاعيل "اشتراطات
الوزير"؟ يلفت طلال الحسيني إلى أن كلام شربل "هو من قبيل اللغو وهو كلام لا يعتدّ
به". برأيه، ما له مفاعيل في قراره هو إحالة عقد الزواج من السجلات الواردة
إلى سجلات التنفيذ. لم هذه الإضافات إذن؟ "أراد شربل القول لمعارضي الزواج
المدني إنه قام بخطوة تخدمهم"، يجيب الحسيني ويضيف: "بدا أن الوزير لم
يفهم شيئاً لا في العقد ولا في القوانين. أساساً، نضال وخلود غير موجودين في
طائفة ليبقوا فيها!".
"مهمة وزارة الداخلية تنفيذية وكل الاختصاص الذي تتمتع به هو من
باب المطلوبات الشكلية فهي لا تنشئ الحق ولا علاقة لها بشرعية عقد الزواج"، يوضح عرّاب
الزواج المدني. ومن هنا، على مأمور النفوس تسجيل الزواج خلال 24 ساعة من عقده لأنه
يحدث آثاراً على علاقة الزوجين أحدهما بالآخر وعلى علاقتهما بالآخرين. "وزير
الداخلية تلكأ في تنفيذ واجبه لأكثر من 24 أسبوع"، يقول الحسيني.
قبل قراره الأخير، كان المعنيون
بالقضية يفكرون في تقديم دعوى ضد شربل أمام المحاكم العدلية. فتخلف الوزير عن
التوقيع ليس شأناً إدارياً. "حرية الزواج هي قضية حريات أساسية. لذلك، يجب أن
يكون احترامها فورياً"، يؤكد الحسيني ويتحدث عن إبلاغ وزير الداخلية بأن
تمنّعه عن إحالة عقد الزواج إلى سجلات التنفيذ هو تمرّد على القانون وخرق للدستور
فالمسألة حسمها رأي الهيئة الاستشارية العليا، أعلى هيئة قضائية في وزارة العدل.
ملابسات القضية وآخرها "اشتراطات
الوزير" سيوضحها طلال الحسيني في مؤتمر صحافي سيعقده الأسبوع المقبل. المهم
أن نهاية قصة أول عقد زواج مدني في لبنان كانت سعيدة. وصار ممكناً للسبحة أن تكرّ.
نضال وخلود اعتبرا أن تسجيل زواجهما
هو "خطوة تاريخية". وهكذا اعتبر مدير عام الأوقاف الإسلامية الشيخ هشام
خليفة. ولكن، برأيه، هي تاريخية لكونها "ستساعد الناس على التخلي عن دينهم
وشرعهم". فخليفة اتهم وزير الداخلية بتوجيه "ضربة ضد الإسلام لم تحققها
لا الشيوعية ولا الإلحاد ولا العلمانية" وتساءل: "أين أسود السنة؟".
منشور في www.almodon.com في 27/4/2013
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق