حوالى مليون و100 ألف سوري يقيمون
حالياً في لبنان. هذه هي تقديرات وزارة الداخلية والبلديات. الأرقام اللبنانية
تفوق ضعفي الأعداد المسجلة لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. أيّاً يكن الرقم
الحقيقي، لم تعد البنى اللبنانية قادرة على إدارة هذا الملف الذي ينذر بمخاطر على
مستويات عدّة.
في ظل عدم قدرة لبنان على الموازنة
بين تنظيم وفود النازحين من سوريا وإقامتهم وبين احترام سيادة الدولة، تتزايد
باضطراد الأعداد وتكثر الروايات عن معاناة اللاجئين. هذا ما دفع بحركة التجدد
الديموقراطي إلى تنظيم ندوة بعنوان "نحو استراتيجية لبنانية لمسألة النازحين
من سوريا"، في مركزها في سن الفيل.
"منذ سنتين لا نزال نكرر أنفسنا. ما يتغيّر هو فقط هول
الأرقام"، قال وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. في لبنان 445304 نازح
سوري، بحسب آخر إحصاء صدر عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. يضاف إليهم حوالى 50
ألف فلسطيني نزحوا من سوريا. أما بحسب أرقام وزارة الداخلية، ففي لبنان 983000
سوري. هؤلاء هم الذين دخلوا من المعابر الشرعية. إذا أضيفت إليهم نسبة 13 بالمئة يدخلون
عبر معابر غير شرعية، يصل الرقم إلى حوالي المليون ومئة ألف.
يعتبر أبو فاعور أن تحدّي استقبال
النازحين السوريين هو "أخطر تحدّي يواجه لبنان، لا فقط كحكومة، بل كدولة
وكيان وشعب في بلد لا يحتمل ميزان الذهب الديموغرافي فيه أيّة اهتزازات".
انقسام اللبنانيين بين متحمّسين بلا هوادة للثورة السورية وبين منكرين للأزمة، أدى
إلى "عدم التعاطي مع المسألة بمنطق الدولة"، يؤكد وزير الشؤون
الاجتماعية ويضيف: "كلا المنطقين سقط". رفضت الدولة إنشاء مخيمات تستقبل
النازحين فكان أن "انتشرت مخيمات عشوائية وغير آمنة وغير مجهّزة كالفطر في كل
نواحي لبنان".
ينتقد أبو فاعور كيفية تعاطي
السياسيين مع الملف ويخصص التيار الوطني الحر، دون تسميته، بقوله: "البعض كان
يريد إجراء انتخابات على قاعدة التخويف من فزّاعة السوري على اعتبار أن السوري
مسلم يخل بالتوازن فجعل منه مطيّة يركبها لاستعادة شعبيته المتراجعة". ويلفت
إلى أن الدولة اللبنانية استضعفت نفسها بسياستها الخارجية إذ "لا نستطيع
مسابقة بشار الأسد في إنكار الأزمة وطلب المساعدات في الوقت نفسه".
على عكس ملاحظة وزير الاقتصاد السوري
الأسبق غسان الرفاعي الذي كان حاضراً واعتبر أن هناك ضرورة لرسم "استراتيجية
معلنة وواضحة" من أجل الحصول على مساعدات دولية، اعتبر أبو فاعور أن
"الخطة موجودة. لم تكن تنقصنا الخطط". يتحدث الوزير الشاب عن خطة
لبنانية تبلورت بفضل نقاشات مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وجمعيات تمتلك خبرة
في مجال الإغاثة ووفّقت بين إيواء النازحين وإغاثتهم، وبين "الخطة
السيادية" التي تستجيب لقلق اللبنانيين أمنياً وإدارياً واقتصادياً.
المشكلة، برأي الوزير، تكمن في تلكؤ
المجتمع الدولي عن مساعدة لبنان. يستنكر ما يسمّيه "حجب المساعدات" عن الدولة، وينسب
سبب هذا الحجب إلى "تجارب
سابقة مع الإدارات اللبنانية" وإلى "خيارات سياسية". الآن يعاني
لبنان تحت وطأة الواقع المستجدّ. أقفلت بعض المؤسسات الصغيرة أبوابها و"حتى
المتعاطفين مع الثورة السورية بدأوا يئنّون". "الحمل أكبر من قدرتنا على
تحمّله كدولة ومجتمع ووطن"، يقول ويقر بضرورة توجيه "نداء" إلى مجلس
الأمن.
انجلينا إيخهورت، رئيسة بعثة الاتحاد
الأوروبي في لبنان، "تنقّ" كما اللبنانيون! "الشعب السوري صار
أرقاماً. في البداية كانت لدينا أسماء. الآن لدينا أرقام وننسى حاجات النازحين
اليومية في الداخل السوري وفي لبنان والدول الأخرى"، تلاحظ وتعتبر
"فضيحةً أن يكون الناشطون الإنسانيون لا يستطيعون العمل لعدم توفر
الدعم". "كل الجهد يجب أن يتجه نحو إيجاد حل سياسي. وفي حال عدم تحقيق
ذلك يجب إيجاد الوسائل للمساعدة"، تقول. تعترف إيخهورست بأن "لبنان لديه
الحاجة الأكبر إلى الدعم" وتتمنى إيجاد حلول قريباً.
نينيت كيلي، ممثلة المفوضية العليا
لشؤون اللاجئين، تستفيض في الحديث عن "الأطفال السوريين المصدومين" وعن
"النازحين الذين هربوا دون أخذ شيء معهم". على الصعيد العملي، تلفت إلى
صدمة منظومة المفوضية الناتجة من التزايد السريع لأعداد النازحين. تتحدث عن أعداد
الفلسطينيين والسوريين اللاجئين على الأراضي اللبنانية وتقول إنه "قياساً إلى
حجم لبنان، لا دولة في العالم تستقبل نازحين مثله". ولكنها لا تخلص إلى أكثر
من أنه "علينا العمل بسرعة أكبر".
العميد بيار سالم، رئيس اللجنة الأمنية المكلفة متابعة شؤون اللاجئين في وزارة الداخلية والبلديات، تحدث عن عمل اللجنة التي تضم ممثلين عن كل الأجهزة الأمنية اللبنانية. من "فكرة مناورة"، انطلق العمل لتحديد المسؤوليات. في البدء كان يجب تحديد عدد "الرعايا السوريين" اللاجئين والميسورين والعمال. بعدها درست اللجنة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يطرحها النزوح وأجرت دراسات حول ارتفاع نسبة الجريمة في لبنان. "تتزايد نسبة الإخلال بالأمن في البيئات الفقيرة"، يقول سالم ويضيف: "هذا غير إمكان العمل الاحترافي الإرهابي الذي يمكن أن يتستّر بالنزوح".
من غرفة العمليات المركزية في وزارة
الداخلية يتم التواصل مع "خلايا فرعية" مرتبطة بالقائمقامين على مستوى
الأقضية والأخيرة تتواصل مع البلديات. من البلديات تبدأ عملية إحصاء "الرعايا
السوريين".
أبو فاعور حائر بشأن مستقبل الأزمة
السورية. مرّة يقول إن "الحرب في سوريا طويلة جداً ولا قرار دولي بإسقاط
النظام وبالتالي سيستمرّ الاستنزاف"، ومرّة ثانية ينبه إلى ضرورة "أن
نتوقع فيضاناً من النازحين في لحظة حسم عسكري ما ليست ببعيدة". كلٌّ من هذين
الاحتمالين سيؤدي إلى نتيجة واحدة: أعداد النازحين ستتزايد ومن المتوقع أن تصل إلى
مليونين في نهاية 2013. والدولة
في انتظار المساعدات، لا أكثر.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق