صورة المدونة

صورة المدونة

الخميس، 30 مايو 2013

The good, the bad and the ugly - 2

اليساري الجيّد هو ذاك الذي استطاع تشرّب مقاصد النظريات اليسارية (في الإسلام يتحدث الفقهاء عن "مقاصد الشريعة"). وعليه، أهمل التفاصيل المرتبطة بظروف سابقة وانصب اهتمامه على كيفية تحقيق الصالح العام لأغلبية الناس.



اليساري السيء هو ذاك الذي يتمسك بحرفية النصوص (في الإسلام يتحدث الفقهاء عن "المعنى الظاهر للنص") فيربط "نضاله" بأفكار ثانوية غبية. ينطلق مثلاً من حديث "الدين أفيون الشعوب" ليمجّد أنظمة ديكتاتورية بسبب إباحتها لشرب الكحول!



اليساري البشع هو ذاك الذي يمارس لعبة تحوير النصوص اليسارية لتخدم السلطات القائمة (في الإسلام يتحدث الفقهاء عن "تفسير النص" وعن "تأويل النص"). هذا النوع من اليساريين، وبهدف الحفاظ على مكتسبات تمنحه إيّاها السلطة، يضرب بعرض الحائط التحليلات التي تشرّح "دور الإيديولوجيا"، ويلعب دور "فقهاء السلطة" فيهرع إلى استلال "أحاديث" من سلّة النظريات اليسارية ويكيّفها في خدمة استراتيجيات السلطة.

ملاحظة: هذا التحليل لليسار يستخدم مصطلحات إسلامية بهدف فك الارتباط بين العبارات والمعنى. معنى العبارة يحدده السياق. على أمل أن يفهم اليساريون ما أقصده.


The good, the bad and the ugly (1)


الإنسان الجيد هو الذي يتضامن مع كل ضحية تسقط بفعل ممارسات نظام ديكتاتوري او بفعل ممارسات الإرهابيين أو بفعل قسوة الحياة او الظروف الطبيعية... التضامن مع الضحية هو إيقاظ للإيثاري في شخصيتنا الإنسانية.

الإنسان السيء هو الذي يسخر من الضحايا او لا يبدي تضامنه معهم.

الإنسان البشع هو الذي ينظر لسحب صفة الضحية من الضحية وهو أيضا الذي يسخر من المتضامنين معها (حتى ولو تستر ذلك وراء تبرير: لماذا هذه الضحية بالذات وليست تلك الضحية هناك؟).

الأربعاء، 29 مايو 2013

استراحة المقاتلين


عودة السياسيين، في سجالاتهم، إلى الماضي، ماضي الاقتتال الأهلي لا ماضي العيش المشترك، يكشف لنا عن المعنى المختزن داخل مفهوم السلم الأهلي: إنه استراحة المقاتلين!
 
متابعة خطاب القوى السياسية اللبنانية يولّد الخوف. جلّ السجالات التي كانت تدور معارك الحرب الأهلية على هديها لا تزال حاضرة. في أوقات الأزمات، وهي الأوقات التي يفصح خلالها كل طرف عن مكنوناته بصدق، تقفز صراعات الماضي إلى دائرة الضوء. حتى أيقونة "سلمنا الأهلي"، أي اتفاق الطائف، يبدو بريقها مصطنعاً ولا يعدو كونه من لزوم استمرار الهدنة الهشة بين اللبنانيين.
 
بعد موافقة القوات اللبنانية على القانون المختلط، استيقظت شياطين ماضي المسيحيين. هبّ الجنرال ميشال عون يردد خطاب المظلومية وقال: "التنازل الذي حصل في الطائف تكرر اليوم بدرجة أعلى". لم ينتظر رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلا ساعات ليردّ الهجوم بالتاريخ. قال: "إننا نتعرّض لحرب إلغاء جديدة لعزل القوات شبيهة بالـ1989".

في صراعهما على النفوذ في البيئة المسيحية لا يستحضر العونيون والقواتيون مراحل تعاون رموزهما على "الآخرين". هنا يصير "الآخر" المنافس داخل الطائفة. كلّ المحرّمات تسقط أمام غاية شدّ عصب القاعدة الشعبية. "كنا أمام طائف ثانٍ والواقعة السياسية تسجلت، ولا يمكن محوها من الذاكرة المسيحية"، قال الوزير جبران باسيل، مذكراً المسيحيين بأن الجنرال كان رافضاً لاتفاق الطائف الذي ألحق الغبن بهم وكاد أن يعيد إليهم أمجادهم لو لم يخرج عليهم مارد جعجع من جديد. الدقة التاريخية غير مجدية في حالات كهذه. فالموضوعية لا تثير الغرائز.
 
التناقض جزء من أدوات لعبة تثمير الماضي في صراعات الحاضر. باسيل نفسه عاد وقال إن "المناصفة لم نتنازل عنها أيام القصف وفي اتفاق الطائف، لنتنازل عنها بالكلمة اليوم". الجنرال رفض الطائف أم أنتج بصموده المناصفة؟ لكل مقام مقال. فالتراشق بالماضي عليه أن يتأسس على ثنائية المظلومية والبطولة. "لم يدفعنا إلى الطائف سوى حرب التحرير"، ردّ النائب أنطوان زهرا. لعلّه قصد "حرب الإلغاء"،  فالقوات كانت حليفة قائد الجيش في حربه ضد السوريين وحلفائهم!
 
الإحالة إلى الماضي توقظ جراح اللبنانيين التي لم يسمح السياسيون لها بأن تندمل والنتيجة: كسب بعض الأصوات الإنتخابية على حساب السلم الأهلي. الموضوعان العزيزان على قلب العونيين هما خيانة القوات وحرب الجبل. القوات لا تستطيع سوى استحضار حربها ضد عون.
 
يقول باسيل إن القانون المختلط هو "حرب جبل جديدة". ويقول الجنرال أن "من يتمسكون بقانون الستين... هم انفسهم من قاموا بمجازر الجبل، وهم من هجروا الناس واحتلوا أملاكهم". وبعد أيام من كلامه هذا يصير من القابلين بهذا القانون. يتكل الجنرال على ذاكرة اللبنانيين العاجزة عن تسجيل لغو السياسيين.
 
ليس الجنرال وحده من يستخدم شياطين الحرب الأهلية. الكل يقومون بذلك وإن كان يفوقهم من حيث الوتيرة. تارة يقول النائب السابق فارس سعيد للجنرال: "حدودك المدفون" قارئاً في خريطة حربية يحتفظ بها منذ عام 1989. وتارة أخرى يصف النائب وليد جنبلاط المسيحيين بأنهم "جنس عاطل" مذكراً بما قاله والده للرئيس السوري حافظ الأسد عام 1976.
 
يريد اللواء جميل السيد انتقاد جنبلاط، فيقول له إن "زمن أبو سعيد العنترازي وأبو هيثم والكاوبوي وغيرهم من عصابات الترهيب والاغتيال قد ولّى إلى غير رجعة". كل شيء يذكرنا بأن الماضي لا يزال حاضراً وبقوة. حركة أمل تقسم التاريخ إلى ما قبل إسقاط اتفاق 17 أيار وما بعده. حزب الله يؤسس التاريخ على ثنائية "قبل الـ82 وبعد الـ82" الشهيرة. النائب نواف الموسوي يتلقف هذه الثنائية ويهاجم "المجازفين الأبديين" الذين يرغبون في قهر بقية الطوائف. يعترض النائب سامي الجميّل على هذه القسمة ويقول: "نحن المقاومة اللبنانية، نحن بشير الجميل ونحن من حملنا السلاح وإشترينا السلاح".
 
التراشق بالماضي لا يحصل فقط بين الخصوم. كثيراً ما يتبادل الحلفاء الرسائل بواسطة هذا السلاح. النائب إيلي ماروني ردّ على اعتبار النائب خالد الضاهر "أن زحلة لم تقدم شهداء"، بالقول: "زحلة قدمت 655 شهيداً، وعندما كنا نحارب السوري كان الضاهر حليفه".  
في إحدى المناسبات، كان مرشح كسرواني للإنتخابات النيابية الحالية ينقل خبرته في التكتيك السياسي إلى بعض المجتمعين. أبلغهم خلاصة خبرته السياسية التي  تفيد بأن كسب الشعبية مسألة بسيطة. قال: "يكفي أن تذكر أهالي جبيل وكسروان بممارسات أحمد الخطيب (قائد جيش لبنان العربي) لكي يدعمونك". هذه هي ألف باء العمل السياسي في لبنان!
 
يقول الخطاب اللبناني الرسمي أن "وثيقة الوفاق الوطني" أرست السلم الأهلي في لبنان. ولكن... كل المتحاربين القدامى يتمسكون بكل المقولات التي خاضوا الحرب على أساسها. فإلى متى سيصمد سلمنا الأهلي؟

منشور في www.almodon.com في 29/5/2013

سويسرا الشرق الكتائبية


هل أراد حزب الكتائب حين طرح شعار "حياد لبنان" العودة إلى حكاية "سويسرا الشرق"؟ يأخذ هذا الشعار حين تطرحه قوة سياسية كالكتائب أبعاداً تُغري بقراءة الحاضر على ضوء الماضي. يتغلّف بنوع من الغموض المنبعث من ارتباط ماضي الحزب به، ومن تلك الفلسفة السياسية التي كانت تنطوي على أبعاد تنشد فصل لبنان عن مشاكل محيطه العربي. ولكن الماضي انقضى وتغيّرت الظروف. فماذا الآن؟
 
كل القصة بدأت مع إعلان النائب سامي الجميّل أن حزب الكتائب قرر التقدّم "بقانون لإدخال فقرة في مقدمة الدستور تتبنى بشكل صريح حياد لبنان عمّا يجري من حوله". المضمون الغامض لهذه الفقرة، وإمكانية قراءتها بأشكال مختلفة، أظهرت حزب الكتائب كقوّة سياسية طامحة إلى وضع بصمة جديدة على الصيغة اللبنانية.


في أعقاب الجولات التي قام بها الفريق الكتائبي على القوى السياسية، خرجت تعليقات تزيد غموضاً على غموض الطرح الكتائبي. ظهرت المسألة وكأن النقاش الذي رافق نشأة الكيان اللبناني، يُستعاد من جديد. تقمّص كثيرون دور كاظم الصلح وقدّموا تصوّراتهم عن "مشكلة الاتصال والانفصال في لبنان"!
 
في عين التينة، نبش رئيس مجلس النواب نبيه بري موقفاً للبطريرك الماروني بولس بطرس المعوشي، يعود إلى العام 1958، ويعتبر فيه أن "الحياد الذي نريده لا يمكن أن نستقي مبادئه من الحياد النمساوي أو أن تنعكس عليه إرادة الأجانب، وهو في كل حال يجب أن يتضمن استثناءين: أولهما خاص باسرائيل وثانيهما خاص بالبلاد العربية، إذ لا يجوز أن نكون محايدين بالنسبة الى البلاد العربية التي نحن جزء منها". ظهرت المسألة وكأن المطلوب حياد لبنان في الصراع على جزر الفوكلاند!
 
كذلك، لفت النائب نواف الموسوي إلى "أن ثمة مقاربة يمكن اعتمادها تقوم أولاً على تحديد ماهية التهديدات التي يواجهها لبنان، وفي ضوء تحديدها يمكن أن نقترح أشكال مواجهتها وآليتها". أراد نائب حزب الله وضع المسعى الكتائبي في ذات المتاهة حيث تقع معضلة "الاستراتيجية الدفاعية". تضامنت القوى السياسية الشيعية مع الغموض الكتائبي ولم يقل أحد منهم إن المطروح ليس سوى "شيء رأيناه".
 
في الحقيقة، لا تزيد المبادرة الكتائبية عن كونها ترجمة محلية لتوجهات دولية تسعى إلى تحييد لبنان عن الصراع الدائر في سوريا وبالأخص إلى إيقاف الدور العسكري المستجدّ لحزب الله هناك. قبل أيام فقط من إطلاق الفكرة، قام المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي بجولة على السياسيين ونبههم إلى "أهمية المحافظة على سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية" وذكّرهم بـ"إعلان بعبدا".
 
بعبدا ليست بعيدة عن المبدأ الذي بنى عليه حزب الكتائب مبادرته. فرئيس الجمهورية ميشال سليمان يعتبر نفسه راعي "إعلان بعبدا" وحارسه الأخلاقي. لذلك، كان ولا يزال يمتعض من كل خرق لما اتفقت عليه هيئة الحوار الوطني في حزيران الفائت.
 
برعاية "حامي الدستور"، اتفق السياسيون على "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم". صيغت هذه الفقرة على مقاس الأزمة السورية.
 
ولكن الوقائع التي تلت هذا التفاهم أثبتت أن أكثر من طرف جنح عن محتواه وعرض عضلاته في الساحة السورية. وأمام النكث بالمواثيق، يبدو سليمان وكأنه فقد الثقة في قدرته على إحداث تغيير سياسي يحفظ السلم الأهلي في لبنان. لم يعد يمتلك سوى التذكير المتكرر بأن "ما يحمي لبنان هو إعلان بعبدا". بقية تصاريحه لا تعدو سوى كونها كرّاسات شرح وتذكير بما جرى التوافق عليه.
 
إذاً، وفي المضمون، لا جديد في المسعى الكتائبي خاصةً إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن تحويل "النأي بالنفس" أو "الحياد" إلى مبدأ دستوري عام لا يمكن أن يُبصر النور في دولة تقوم التوازنات السياسية داخلها على علاقة مركّبة بين الداخل والخارج. اللهم إلا إذا توافق الجميع على مبدأ دستوري جديد بغية خرقه إلى جانب غيره من فقرات القانون الأسمى.
 
ما يسعى إليه الحزب المسيحي العريق، سبق أن اتفق عليه اللبنانيون ولكن أكثر من طرف لم يحترم التزاماته. أما الباقي، فهو من عدّة العمل الكتائبية الهادفة إلى صناعة صورة لمّاعة للحزب في الأوساط المسيحية.
منشور في www.almodon.com  في 19/5/2013

آخر أيام العودة


في ظل متغيّرات إقليمية كثيرة تأتي ذكرى النكبة هذا العام. اختلف المشهد السياسي برمته. في اللحظة الراهنة، يهيمن البعد الوطني على أولويات الشعوب العربية إلى حد بعيد. هبط سعر أسهم استغلال القضية الفلسطينية في سياسات الأنظمة الحاكمة. حلفاء الأمس تفرّقوا والثابت الوحيد أن أفق حلّ القضية الفلسطينية لا يزال بعيداً.

قبل عامين، جمعت الفعاليات المقامة بمناسبة الذكرى الثالثة والستين للنكبة،  مدينة القدس وقطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا. أحكم المدنيون الفلسطينيون الطوق حول اسرائيل بـ"مسيرات العودة". لم يكن المشهد انعكاساً لتضامن عربي وُلد بعد سبات، بل كان، ربما، آخر استثمار سياسي يدخله النظام السوري وحلفاؤه برصيد من دماء فلسطينيي الشتات.


على منحدر تلة مارون الرأس في جنوب لبنان، كانت امرأة مسنّة تنزل بصعوبة قاصدة الاقتراب لأكثر مدى ممكن من تراب بلادها المحرّم عليها. لا أحد يستطيع معرفة الأحلام التي كانت تصنعها بخطواتها. مضى عامان على هذا المشهد. لن تستعيد حلمها إيّاه هذا العام.

في أحد الباصات التي أقلّت أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى مشارف بلدهم، كان الزمن يمرّ بطيئاً. قرأ: "50 كلم إلى فلسطين". بعد وقت طويل بمقاييس صبره قرأ "10 كلم إلى فلسطين" ثم قرأ 5، وأخيراً قرأ: "1 كلم إلى فلسطين". لم يستطع الاحتمال. نظر إلى صديقه وهرعا بالركض في اتجاه الشريط الشائك الذي يفصل مارون الرأس عن وطنهم. حشد كبير لحق بهم. بدأ الجنود الإسرائيليون بإطلاق الرصاص. 12 شهيدا وأكثر من مئة جريح سقطوا تحت شعار "الشعب يريد العودة إلى فلسطين".

إلى الجولان السوري، تم تسيير مسيرة مشابهة. بعد 40 سنة من إحكام إقفال هذه الجبهة، تمكن مدنيون عزّل إلا من الأحلام من تخطي الحدود والوصول إلى قرية مجدل شمس. لم يستمر زحفهم بطبيعة الحال. عادوا إلى مخيماتهم حاملين أربعة قتلى وحوالى مئتي جريح.

أمام فداحة ما حصل، أعلنت حركة حماس، من مكاتبها القائمة في دمشق أن الأحداث التي شهدها داخل فلسطين وحدودها "هي نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي".

في خلفية المشهد، كان ثمة من يبتسم ويقول في سرّه: نجحت. لم يكن لأحلام الفلسطينيين أن تنزف في ذلك النهار لولا محاولة النظام السوري وحلفائه في لبنان إبعاد الكاميرات عن الأحداث السورية. لم يكن قد مضى على بدء الثورة السورية إلا شهرين، حين استلّ شعار "الشعب يريد العودة إلى فلسطين" من حقيبة النسيان وأخرج كأرنب الساحر للتعمية على شعار "الشعب السوري يريد الحرية".

نجحوا. نجحوا ليوم واحد فقط. لم يكن صدفة إحياء "مسيرة عودة" بعد 11 عاماً من تحرير الجنوب اللبناني، أي بعد 11 عام من إمكانية الوقوف على إحدى هضاب جبل عامل المشرفة على فلسطين.

لم تكن الحدود مع فلسطين المكان الوحيد للأحداث الكبيرة في ذلك النهار الدامي. فقد اقتحم الجيش السوري مدينة تلكلخ القريبة من حدود لبنان الشمالية موقعاً سبعة قتلى ومتسبباً بنزوح عدد كبير من أبناء المدينة إلى الأراضي اللبنانية. في ذلك اليوم رُسّمت الحدود اللبنانية جنوباً وشمالاً بدماء النازحين.

سنتان لا أكثر كانتا كفيلتين بتغيير المشهد الإقليمي رأساً على عقب. في سوريا كانت ثورة سلمية. كان المتظاهرون يواجهون البندقية بصدورهم العارية. وكان النظام يعتقل المعارضين بتهمة مخالفة قانون التظاهر! في ذكرى النكبة نفسها، تلك التي شهدت كل هذه الأحداث، أفرج بكفالة عن مخالف قانون التظاهر رياض سيف بعد 9 أيام قضاها معتقلاً.

بعد سنتين، اختلف المشهد تماماً. "نقطة التحوّل" التي تحدثت عنها حماس كانت هجر قيادتها لدمشق، هرباً من رائحة دماء الأبرياء وتغييرها تحالفاتها "القسرية" وعودتها إلى رحم الحركة الأم المنتصرة في مصر على حدود قطاع غزة، وكانت قمعت، قبل 8 أيام من الذكرى الخامسة والستين للنكبة، تظاهرة صغيرة نظمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بهدف إدانة الغارات الاسرائيلية على سوريا. 

اليوم، تأتي ذكرى النكبة متزامنة مع النكبة التي حلّت بسوريا. هذه السنة لن يسيّر النظام السوري الحافلات إلى عين التينة. فلسطينيو اليرموك ينزفون داخل مخيمهم ولا حاجة إلى أخذهم لمواجهة النار الاسرائيلية. هذه السنة لن يضع حزب الله ثقله خلف "اللجان المنظمة" من أجل تسيير الحافلات إلى مارون الرأس. حافلات حزب الله تتوجه شمالاً، إلى دمشق وريف القصير. وكل ذلك بحجة أولوية القضية الفلسطينية.

مستخدمو القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، يسمّونها "بوصلة" ويقولون إنها تحدد صواب وخطأ المواقف السياسية. "البوصلة" تقول اليوم: "طريق القدس تمرّ من القصير". غريبة هذه البوصلة التي لطالما حطمت آمال الشعوب العربية على إشارات إبرتها.

منشور في www.almodon.com في 15/5/2013
الصورة بعدسة زهراء مرتضى

غزو سوريا


"أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلّوا". بهذه الجملة المستلّة من خطبة شهيرة للإمام علي بن أبي طالب، ختم شيخ إحدى القرى الشيعية الجنوبية كلامه الهادف إلى تجييش الحشد المجتمع في النادي الحسيني على إيقاع تدخل حزب الله في سوريا.
 
قبل وقت ليس بطويل، كان مناصرو حزب الله يضعون الحديث عن تدخل الحزب العسكري في الداخل السوري في خانة الإفتراء المغرض. مع تزايد حالات وصول جثامين القتلى إلى قراهم اختلف الوضع. صُدم أبناء هذه الطائفة. ولاحتواء صدمتهم، كان لا بد من خطاب تجييشي. لبنانيو ريف القصير قصة غير جذابة. وحدها السيدة زينب، بما تمثله في الوجدان الشيعي، يمكنها أن تنقذ الموقف.
 
يستعيد حزب الله لغة مأساة عاشوراء القابعة في وجدان الشيعة ويسقطها على مسألة تدخله في سوريا. في بيروت وضواحيها، تشهد الأحياء الشعبية على هذا الخطاب. "كلنا عباسك يا زينب"، كتب أسفل صورة ربيع فارس المعلقة على زجاج مقهى شعبي صغير قائم قرب مسجد القائم الذي يرتاده بكثرة أنصار الحزب.
على أوتوستراد الشهيد هادي نصر الله، تقوم المعاهد الصغيرة بنعي طلابها. "إدارة وطلاب" معاهد الآفاق، المعروفة باستقبالها الطلاب الفقراء، رفعت لافتة تنعي مهدي نزيه عباس، ابن قرية كوثرية السياد. بعد أمتار قليلة قامت "إدارة وطلاب" معاهد المسار بالأمر نفسه ناعية حيدر محمد صوفان. ولكن، تأخر رفع اللافتة الثانية ثلاثة أشهر عن تاريخ التشييع! فمع انتقال حزب الله إلى مرحلة الحديث العلني عن مشاركته في الحرب السورية، تغيّرت الأمور.
 
فقط في الأحياء الشعبية يمكن للمرء أن يرى صور من سقطوا في الحرب السورية. في زقاق البلاط، تم تركيب ماكينة لصنع القهوة في خلفيته "فان" معطّل، فتحوّل مع بعض الكراسي المصطفة حوله إلى مقهى شعبي صغير. هناك ترى صورة لأحد القتلى وتقرأ في أسفلها: "سنثأر يا ثائر".
 
"ثائر" هو الاسم الحزبي للشاب الصغير حسن نمر الشرتوني، إبن قرية ميس الجبل الجنوبية. في التشييع الحاشد الذي أقيم له قبل مدّة كان المجتمعون غاضبين. من مكبرات الصوت قيل لهم: "ثأركم ليس هنا. ثأركم هناك". أيام قليلة كانت كافية لتعليق صورة كبيرة له على مدخل قريته،  كتب عليها عنوان خطاب حزب الله التبريري لتدخلّه: "لن تسبى (السيدة زينب) مرتين".
 
في القرى، لا شيء يشير إلى انتماء القتلى الطبقي. هنا الكل أولاد القرية. المنبر الأساسي الذي يخاطب حزب الله الجموع من خلاله هو النوادي الحسينية في ذكرى مرور أسبوع أو أربعين يوماً على وفاة أحد أبناء القرية.
 
بعد نبش قبر الصحابي حجر بن عديّ، روى شيخ إحدى القرى للمشاركين في واجب العزاء قصة "صديق الإمام علي". قال لهم أن معاوية قضى بإعدامه وابنه همّام بسبب موالاته للإمام علي وأخبرهم أنه طلب من الجلاد تنفيذ الحكم بابنه قبله كي لا يرتدّ عن تأييده للحق. "أراد أن يضمن له آخرته"، قال الشيخ وترك المنبر.
 
إلى جانب خطاب الدفاع عن مقام السيّدة زينب، تكثر الشائعات عن اكتشاف خلايا سورية مسلّحة نائمة في قرى الجنوب. لا يمكن الفصل في صحّة هذه الشائعات التي تشترك جميعها في الخاتمة السعيدة: "حزب الله اكتشف الأمر والله ستر".

اللافت في الجنوب، هو ما ينقل عن مقاتلي حزب الله العائدين من سوريا. أحدهم ركّز أمام أصدقاء زاروه على كثرة عدد مقاتلي المعارضة وقال لهم: "مستحيل يخلصوا". آخر قال: "ليكن الله في عون الشعب السوري. لا يعرفون من أين تتساقط عليهم القذائف".
 
"الحجر لا يمثل فقط حجراً. ترابك هو كيانك وعزتك في الدنيا وسلامتك في الآخرة". بهذه الجملة مهّد شيخ إحدى القرى لانتقاله في خطبته إلى الحديث عن آخر مستجدات الوضع السوري بما فيها تدخل حزب الله العلني. "الاعتداء على حجر من مقامات الأولياء هو اعتداء على كل إنسان منّا. مع كل حجر يقطعون عضواً من اعضائنا"، قال الشيخ وختم حديثه: "نحن أمة أنبياؤها مقاتلون".
 
لغة كربلاء، ليست فقط لغة يستخدمها حزب الله لتبرير تدخله. يستخدم مؤيدو الثورة هذه اللغة أيضاً. برأيهم ينصرون الظالم على المظلوم مهتدين بالإمام الحسين بن علي. لذلك أضاف حزب الله نقطه هامة على خطابه. وضع كل مقاتلي الثورة السورية في خانة التكفيريين. هي "كذبة صغيرة" ولكن مفعولها يكبر أكثر فأكثر بين جمهوره، وخاصة مع بعض ما يرشح من أفعال عن بعض الألوية المقاتلة

منشور في www.almodon.com في 9/5/2013

لبنان لم يعد يحتمل" النازحين


حوالى مليون و100 ألف سوري يقيمون حالياً في لبنان. هذه هي تقديرات وزارة الداخلية والبلديات. الأرقام اللبنانية تفوق ضعفي الأعداد المسجلة لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. أيّاً يكن الرقم الحقيقي، لم تعد البنى اللبنانية قادرة على إدارة هذا الملف الذي ينذر بمخاطر على مستويات عدّة.
 
في ظل عدم قدرة لبنان على الموازنة بين تنظيم وفود النازحين من سوريا وإقامتهم وبين احترام سيادة الدولة، تتزايد باضطراد الأعداد وتكثر الروايات عن معاناة اللاجئين. هذا ما دفع بحركة التجدد الديموقراطي إلى تنظيم ندوة بعنوان "نحو استراتيجية لبنانية لمسألة النازحين من سوريا"، في مركزها في سن الفيل.
 
"منذ سنتين لا نزال نكرر أنفسنا. ما يتغيّر هو فقط هول الأرقام"، قال وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. في لبنان 445304 نازح سوري، بحسب آخر إحصاء صدر عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. يضاف إليهم حوالى 50 ألف فلسطيني نزحوا من سوريا. أما بحسب أرقام وزارة الداخلية، ففي لبنان 983000 سوري. هؤلاء هم الذين دخلوا من المعابر الشرعية. إذا أضيفت إليهم نسبة 13 بالمئة يدخلون عبر معابر غير شرعية، يصل الرقم إلى حوالي المليون ومئة ألف.
 
يعتبر أبو فاعور أن تحدّي استقبال النازحين السوريين هو "أخطر تحدّي يواجه لبنان، لا فقط كحكومة، بل كدولة وكيان وشعب في بلد لا يحتمل ميزان الذهب الديموغرافي فيه أيّة اهتزازات". انقسام اللبنانيين بين متحمّسين بلا هوادة للثورة السورية وبين منكرين للأزمة، أدى إلى "عدم التعاطي مع المسألة بمنطق الدولة"، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية ويضيف: "كلا المنطقين سقط". رفضت الدولة إنشاء مخيمات تستقبل النازحين فكان أن "انتشرت مخيمات عشوائية وغير آمنة وغير مجهّزة كالفطر في كل نواحي لبنان".
 
ينتقد أبو فاعور كيفية تعاطي السياسيين مع الملف ويخصص التيار الوطني الحر، دون تسميته، بقوله: "البعض كان يريد إجراء انتخابات على قاعدة التخويف من فزّاعة السوري على اعتبار أن السوري مسلم يخل بالتوازن فجعل منه مطيّة يركبها لاستعادة شعبيته المتراجعة". ويلفت إلى أن الدولة اللبنانية استضعفت نفسها بسياستها الخارجية إذ "لا نستطيع مسابقة بشار الأسد في إنكار الأزمة وطلب المساعدات في الوقت نفسه".
 
على عكس ملاحظة وزير الاقتصاد السوري الأسبق غسان الرفاعي الذي كان حاضراً واعتبر أن هناك ضرورة لرسم "استراتيجية معلنة وواضحة" من أجل الحصول على مساعدات دولية، اعتبر أبو فاعور أن "الخطة موجودة. لم تكن تنقصنا الخطط". يتحدث الوزير الشاب عن خطة لبنانية تبلورت بفضل نقاشات مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وجمعيات تمتلك خبرة في مجال الإغاثة ووفّقت بين إيواء النازحين وإغاثتهم، وبين "الخطة السيادية" التي تستجيب لقلق اللبنانيين أمنياً وإدارياً واقتصادياً.
 
المشكلة، برأي الوزير، تكمن في تلكؤ المجتمع الدولي عن مساعدة لبنان. يستنكر ما يسمّيه "حجب المساعدات" عن الدولة، وينسب سبب هذا الحجب إلى "تجارب سابقة مع الإدارات اللبنانية" وإلى "خيارات سياسية". الآن يعاني لبنان تحت وطأة الواقع المستجدّ. أقفلت بعض المؤسسات الصغيرة أبوابها و"حتى المتعاطفين مع الثورة السورية بدأوا يئنّون". "الحمل أكبر من قدرتنا على تحمّله كدولة ومجتمع ووطن"، يقول ويقر بضرورة توجيه "نداء" إلى مجلس الأمن.
 
انجلينا إيخهورت، رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، "تنقّ" كما اللبنانيون! "الشعب السوري صار أرقاماً. في البداية كانت لدينا أسماء. الآن لدينا أرقام وننسى حاجات النازحين اليومية في الداخل السوري وفي لبنان والدول الأخرى"، تلاحظ وتعتبر "فضيحةً أن يكون الناشطون الإنسانيون لا يستطيعون العمل لعدم توفر الدعم". "كل الجهد يجب أن يتجه نحو إيجاد حل سياسي. وفي حال عدم تحقيق ذلك يجب إيجاد الوسائل للمساعدة"، تقول. تعترف إيخهورست بأن "لبنان لديه الحاجة الأكبر إلى الدعم" وتتمنى إيجاد حلول قريباً.
 
نينيت كيلي، ممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، تستفيض في الحديث عن "الأطفال السوريين المصدومين" وعن "النازحين الذين هربوا دون أخذ شيء معهم". على الصعيد العملي، تلفت إلى صدمة منظومة المفوضية الناتجة من التزايد السريع لأعداد النازحين. تتحدث عن أعداد الفلسطينيين والسوريين اللاجئين على الأراضي اللبنانية وتقول إنه "قياساً إلى حجم لبنان، لا دولة في العالم تستقبل نازحين مثله". ولكنها لا تخلص إلى أكثر من أنه "علينا العمل بسرعة أكبر".


  
العميد بيار سالم، رئيس اللجنة الأمنية المكلفة متابعة شؤون اللاجئين في وزارة الداخلية والبلديات، تحدث عن عمل اللجنة التي تضم ممثلين عن كل الأجهزة الأمنية اللبنانية. من "فكرة مناورة"، انطلق العمل لتحديد المسؤوليات. في البدء كان يجب تحديد عدد "الرعايا السوريين" اللاجئين والميسورين والعمال. بعدها درست اللجنة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يطرحها النزوح وأجرت دراسات حول ارتفاع نسبة الجريمة في لبنان. "تتزايد نسبة الإخلال بالأمن في البيئات الفقيرة"، يقول سالم ويضيف: "هذا غير إمكان العمل الاحترافي الإرهابي الذي يمكن أن يتستّر بالنزوح".
 
من غرفة العمليات المركزية في وزارة الداخلية يتم التواصل مع "خلايا فرعية" مرتبطة بالقائمقامين على مستوى الأقضية والأخيرة تتواصل مع البلديات. من البلديات تبدأ عملية إحصاء "الرعايا السوريين".

أبو فاعور حائر بشأن مستقبل الأزمة السورية. مرّة يقول إن "الحرب في سوريا طويلة جداً ولا قرار دولي بإسقاط النظام وبالتالي سيستمرّ الاستنزاف"، ومرّة ثانية ينبه إلى ضرورة "أن نتوقع فيضاناً من النازحين في لحظة حسم عسكري ما ليست ببعيدة". كلٌّ من هذين الاحتمالين سيؤدي إلى نتيجة واحدة: أعداد النازحين ستتزايد ومن المتوقع أن تصل إلى مليونين في نهاية 2013. والدولة في انتظار المساعدات، لا أكثر

منشور في www.almodon.com في 30/4/2013

الزواج المدني الطائفي


أخيراً، وبعد أشهر من الانتظار، وقّع وزير الداخلية والبلديات مروان شربل على قرار تسجيل أول عقد زواج مدني في لبنان. لم يتأخر رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في تغريدة منه، عن المباركة للعروسين. لكن الوزير قرن توقيعه بـ"اشتراطات"، يعيد التقيّد بها الأمور إلى نقطة الصفر!  وقّع القرار مشترطاً تفريغ عقد الزواج من مدنيته.
 
القرار يطلب من المديرية العامة للأحوال الشخصية تنفيذ تسجيل عقد زواج نضال درويش وخلود سكرية. ولكن الوزير اشترط عليهما عدم تغيير طائفتيهما والتزامهما اتباع قانون الأحوال الشخصية المعمول به في كل ما يتصل بمفاعيل هذا الزواج في حالات الإرث والطلاق والأولاد، لأن لا وجود في القانون للطائفة 19، أي مَن "لا ينتمي الى طائفة"، وذلك ضماناً لحقوقهما وحقوق أولادهما إلى حين صدور قانون مدني للأحوال الشخصية ينظم الزواج المدني الاختياري واستتباعاته.
 
شربل اتخذ القرار "على مسؤوليته". تأخر كثيراً لأنه كان يتلقى دراسات قانونية حول المسألة العالقة بين يديه. أخيراً وجد ضالته. ولكنه اختار رأياً قانونياً "فاسداً ومتناقضاً ومليئاً بالمغالطات".
 
لفهم المسألة يجب العودة إلى الأساس القانوني الذي بنى عليه المحامي طلال الحسيني ليقول بإمكانية عقد زواج مدني على الأراضي اللبنانية. استند الحسيني إلى القرار 60 ل.ر الصادر في 13/3/1936، وبالتحديد إلى الفقرة الثانية من المادة العاشرة منه (معدلة وفقاً للقرار 146 تاريخ 18/11/1938) والتي تنص على أنه: "يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون الى طائفة تابعة للحق العادي وكذلك السوريون واللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية".
 
نضال وخلود اللذين شطبا طائفتهما من سجلات النفوس، يقع عليهما حكم من "لا ينتمون لطائفة" وليس حكم المنتمين "إلى طائفة تابعة للحق العادي". الوزير شربل وقع في هذا الخلط حين قال إنه "لا وجود في القانون للطائفة 19، أي من لا ينتمي الى طائفة".
 
ما يسمّى الطائفة 19 هو الطائفة التابعة للحق العادي والتي حددتها المادة الثالثة من القرار 60 ل.ر. هؤلاء أيضاً تخضع الأحوال الشخصية العائدة لهم للقانون المدني بحسب المادة 17 من القرار المذكور. عناصر التشابه لا تبرر الوقوع في هذا الخطأ.


ليس الوزير شربل أول من يقع في هذا الخلط. قبله وقع فيه الوزير زياد بارود حين أفسح المجال أمام شطب الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس. والخطأ القانوني ذاته ارتكبته هيئة التشريع والاستشارات بانية عليه رأيها الذي قال بعدم جواز عقد الزواج المدني في لبنان، الرأي الذي عادت ونقضته الهيئة الاستشارية العليا بتأكيدها أن من حق اللبناني الذي لا ينتمي إدارياً إلى طائفه أن يتزوج مدنياً في لبنان.
 
ولكن الأخطر في كلام شربل هو اشتراطه على العروسين عدم تغيير طائفتيهما. لماذا؟ للاستفادة من مفاعيل القرار 60 ل.ر في ما خص الزواج المدني كان على نضال وخلود شطب ذكر طائفتهما من سجلات النفوس ليصح عليهما وصفهما بأنهما "لا ينتميان لطائفة".
فهناك قرار رقمه 53 وصادر بتاريخ 30/3/1939 ينص في المادة الأولى منه على أن القرار 60 ل.ر لا يطبق على المسلمين. لذلك فتطبيق "شرط" شربل يحول، أساساً، دون عقد قرانهما مدنياً لأنه يفقدهما الصفة الضرورية لإتمام هذا النوع من عقود الزواج.
 
ما هي مفاعيل "اشتراطات الوزير"؟ يلفت طلال الحسيني إلى أن كلام شربل "هو من قبيل اللغو وهو كلام لا يعتدّ به". برأيه، ما له مفاعيل في قراره هو إحالة عقد الزواج من السجلات الواردة إلى سجلات التنفيذ. لم هذه الإضافات إذن؟ "أراد شربل القول لمعارضي الزواج المدني إنه قام بخطوة تخدمهم"، يجيب الحسيني ويضيف: "بدا أن الوزير لم يفهم شيئاً لا في العقد ولا في القوانين. أساساً، نضال وخلود غير موجودين في طائفة ليبقوا فيها!".
 
"مهمة وزارة الداخلية تنفيذية وكل الاختصاص الذي تتمتع به هو من باب المطلوبات الشكلية فهي لا تنشئ الحق ولا علاقة لها بشرعية عقد الزواج"، يوضح عرّاب الزواج المدني. ومن هنا، على مأمور النفوس تسجيل الزواج خلال 24 ساعة من عقده لأنه يحدث آثاراً على علاقة الزوجين أحدهما بالآخر وعلى علاقتهما بالآخرين. "وزير الداخلية تلكأ في تنفيذ واجبه لأكثر من 24 أسبوع"، يقول الحسيني.
 
قبل قراره الأخير، كان المعنيون بالقضية يفكرون في تقديم دعوى ضد شربل أمام المحاكم العدلية. فتخلف الوزير عن التوقيع ليس شأناً إدارياً. "حرية الزواج هي قضية حريات أساسية. لذلك، يجب أن يكون احترامها فورياً"، يؤكد الحسيني ويتحدث عن إبلاغ وزير الداخلية بأن تمنّعه عن إحالة عقد الزواج إلى سجلات التنفيذ هو تمرّد على القانون وخرق للدستور فالمسألة حسمها رأي الهيئة الاستشارية العليا، أعلى هيئة قضائية في وزارة العدل.
 
ملابسات القضية وآخرها "اشتراطات الوزير" سيوضحها طلال الحسيني في مؤتمر صحافي سيعقده الأسبوع المقبل. المهم أن نهاية قصة أول عقد زواج مدني في لبنان كانت سعيدة. وصار ممكناً للسبحة أن تكرّ.
 
نضال وخلود اعتبرا أن تسجيل زواجهما هو "خطوة تاريخية". وهكذا اعتبر مدير عام الأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة. ولكن، برأيه، هي تاريخية لكونها "ستساعد الناس على التخلي عن دينهم وشرعهم". فخليفة اتهم وزير الداخلية بتوجيه "ضربة ضد الإسلام لم تحققها لا الشيوعية ولا الإلحاد ولا العلمانية" وتساءل: "أين أسود السنة؟". 

منشور في www.almodon.com  في 27/4/2013

ثقلان


"ثقل" ميشال عون" ليس توصيفاً يطلقه عليه أحد خصومه. هو من تحدث عنه. في معرض مديح نفسه أخرج النائب عون مصطلحاً مناسباً لوصف سلوكه السياسي. ولكن... ليس عون وحده مَن تنطبق عليه هذه الصفة. حليفه الشيعي، حزب الله، أثقل منه. وبما أن ثقل الشيء يقع على حامله فإن لبنان صار ينوء تحت هذين الثقلين.

يبني الجنرال سياساته على ثنائية الثقيل ـ الخفيف. بطبيعة الحال، ينظر إلى نفسه كثقيل أما الخفة فهي من سمات خصومه. ربّما لهذا بات بعض أعضاء تياره يستسيغون وصف ظاهرتهم بـ"تسونامي" بعدما سبق وهاجموا النائب وليد جنبلاط بسبب هذا التوصيف، وبعدما تحوّلوا إلى مجرّد موجة مرتفعة يمارس عليها حزب الله رياضة التزلّج.

الثقل في قاموس عون يرادف التأثير السياسي. من هنا قوله، تعليقاً على أحد التصوّرات لتشكيلة الحكومة القادمة، إن "حكومة خفيفة لا يمكنها أن تحمل ثقل ميشال عون". جنرال الرابية مقتنع بأنه القوة المسيحية الأقوى وبأنه يمتلك الحق في ما كان قد أسماه يوماً بـ"الوزارات المارونية".



تصور العونيين لأنفسهم هو مصدر "ثقل" من نوع آخر. باتوا يرهقون الصيغة اللبنانية عند كل استحقاق. "الخطوط الحمراء" غزت خطابهم. الحقائب الوزارية وشاغلوها طرحوا كخط أحمر حين تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي حكومته. "الانتقاص" من التمثيل المسيحي في مجلس النواب يطرحه العونيون حالياً كخط أحمر. وقريباً سيبلغون الرئيس تمام سلام بخطهم الأحمر الذي لا يجب أن تتخطاه تشكيلته الحكومية.

الثابت في كل الخطوط الحمراء العونية هو الأنانية المفرطة التي لا تنظر إلى إنعكاسات مطالب تيارهم على الباقين. في علم السياسة العوني، يمكن طرح فكرة حكومة وحدة وطنية لا تتمثل فيها القوى المسيحية الأخرى، ويمكن الإصرار على "صحة تمثيل مسيحي" يهمش حقوق المسلمين.

ليست الأنانية العونية سمة خاصة بهم. هي من سمات ممارسة السياسة لدى كل القوى السياسية اللبنانية منذ نشوء الدولة. الخاص العوني هو الذهاب بهذه الأنانية إلى حدّها الأقصى. هذا ما صار يمثل ثقلاً لا يطاق على الصيغة اللبنانية. الحدّ الأقصى لهذه الأنانية لا يتحقق إلا بالغلبة. لا ينفع تمويه التوق إلى الغلبة بتسميته "استرجاع حقوق المسيحيين".

لا يبزّ العونيين في الثقل إلا حزب الله. حليف التيار العوني يمتلك نظرة رؤيوية لنفسه ويؤمن بدور خلاصي مناط به. أثقاله تتجاوز لبنان، مصدّعةً تركيبته، لترهق الوضع الإقليمي برمته.

في لبنان، صار خطاب حزب الله ثقيلاً. يمارس السياسة انطلاقاً من نظريات فقهية وسياسية لا تتعدّى جميعها، برغم كل تعقيداتها، منطوق القول: "أنا ومن بعدي الطوفان". ما يحظى بالأهمية، على مذهب حزب الله، هو ما يمت بصلة مباشرة إلى المؤسسة الحزبية نفسها. ما يتعدّى ذلك يهتم به لكونه من لزوم ممارسة السياسة

يحدد حزب الله مطالبه ويقول للآخرين: إما تلبيتها أو الفوضى. للحوار في مفهومه  غاية من اثنتين. فإما أن يكون للمماطلة وتمديد حالة يرضى عنها أو يكون لتحقيق مطلب يقرر أنه يجب أن يتحقق. على القوى السياسية الأخرى أن تحقق مطالبها بمنّة منه لا لجدواها ولا لكونها حقوقاً. إن لم يُعجبها ذلك وأصرّت على مطالبها تكون ساعية إلى الفتنة. منذ ست سنوات لم يحقق الحزب مطلباً إلا وقرن عدم تحقيقه بالفوضى.

ازدواجية الأمن بين أمنه الخاص والأمن الشرعي هي من الأمور المرضي عنها. إذن الغاية من الحوار حول مسألة الخروج من هذه الإزدواجية لا تتعدّى التسويف. تخطي خطوطه الحمراء يدفعه إلى توجيه سلاحه إلى "المعتدين". يريد "الثلث المعطل" في الحكومة فيشلّ البلد لأكثر من سنة. يريد إسقاط حكومة فيرسل رسائل تهدد بالفوضى إن لم يتحقق الأمر

تعليلات حزب الله للعقبات السياسية التي تواجهه، لا تحتمل أيضاً. رفض وصفاته الجاهزة يعني أن "خلف البحار والمحيطات ضغوط معينة" تمارس على الرافض. هكذا علّل مثلاً تأخر الرئيس ميقاتي في إعلان تشكيلة حكومته! لا عجب في إلقاء اتهاماته المعلّبة على الخصوم.

ولكن الحزب لا يكتفي بلبنان. أثقاله تجاوزت الحدود وبدأت تضغط على صدور السوريين في ريف حمص ودمشق وريفها. دور حزب الله في الأزمة السورية ليس مفاجئاً. من يتفاجأ هو مَن يفهم السياسة بمنطق الدولة ويتصور العلاقات الدولية كعلاقات بين دول. لم يأبه الحزب لهذا المنطق في لبنان فلماذا سيأبه له خارجه؟ هو فقط من ينزف دماً أما الآخرون فتتسرّب منهم المياه.

منطق الحزب صار ثقيلاً بتناقضاته. يستطيع أن يحوّل نوّابه إلى منظرين للديمقراطية التوافقية عندما يريد زيادة تمثيله في السلطة. وقبل أن يجفّ حبر تنظيراتهم يسقط حكومة ويشكل أخرى يقصي عنها ممثل السنّة الرئيسي. جنوباً، يلوم المجتمع الدولي على عدم احترام الخط الأزرق وشمالاً يزدري اتفاقية سايكس – بيكو التي تمنعه من دعم النظام السوري.

الصيغة اللبنانية تتمزّق تدريجياً بسبب تضخيم عون لدوره وبسبب تضخّم حزب الله. الخفّة. صار مطلوباً قليل من الخفة رأفة بلبنان وبالباقين فيه.

منشور في www.almodon.com في 19/4/2013