عندما أطلّ مفتي الجمهورية اللبنانية على اللبنانيين بفتواه الأخيرة حول الزواج المدني، انطلق من اعتبار "العلماء هم قادة الأمة وهم ورثة الأنبياء وهم حملة أمانة الإسلام من بعدهم". لوهلة توهّم المفتي لنفسه مكانة كتلك التي كانت لمن يقرأ عنهم في كتب التاريخ والشريعة!
تجاوز المفتي واقع مكانته القانونية في المنظومة الحقوقية اللبنانية وهدد مسؤولي الدولة المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية بحكم الردّة عن الإسلام إن وافقوا على تشريع الزواج المدني حتى ولو اختيارياً. لم يعر المفتي انتباهاً لكونه عاجزاً عن تطبيق الحكم بالردّة إلا إذا قرر الخروج عن القانون وتطبيق قانون العقوبات المدني عليه بالتالي، شأنه شأن باقي المواطنين.
في فتواه، ارتكب المفتي، بحسب المحامي نزار صاغية، جرماً جزائياً تنص عليه المادة 329 من قانون العقوبات بسعيه إلى "منع الناس من ممارسة حق مدني" و"منع النواب والوزراء من ممارسة واجب مدني". فالمادة المذكورة تؤكد أن "كل فعل من شأنه أن يعوّق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة، إذا اقترف، بالتهديد والشدّة أو بأي وسيلة أخرى وسائل الإكراه الجسدي أو المعنوي".
لقد هدد المفتي كل من يوافق من المسؤولين المسلمين على الزواج المدني بأنه "لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين". تراجع المفتي عن فتواه التي أصدرها عام 1998 والتي حكم فيها بالردة على "كل من يعتقد بجواز تطبيق أحكام الزواج المدني"! لعلّه خشي خروج جموع غفيرة من تحت عباءة دار الفتوى الدينية إن استمر في توسيع دائرة مَن تطبق عليهم فتواه.
المفتي ليس موظفاً عادياً، بل يمكن اعتباره "موظفاً إكسترا" فإقالته شبه متعذرة لأنه، بحسب المرسوم الاشتراعي رقم 18 الذي ينظم الإفتاء والأوقاف الإسلامية، "لا يعفى من منصبه إلا لدواع صحية تمنعه من حسن القيام بمهامه، أو لأسباب خطيرة، ويصدر قرار الإعفاء من مجلس الانتخاب الإسلامي بدعوة من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى حال عدم اعتزال المنصب بالطوع والاختيار وذلك بأكثرية ثلاثة أرباع الأعضاء على الأقل".
وبما أن المفتي، أساساً، لا يستطيع تطبيق حكم الردّة، ماذا يبقى من مفاعيل قانونية لفتواه؟ يستطيع المفتي منع دفن "المرتدين" في المدافن التابعة للوقف السنّي، ومنع موظفي دار الفتوى من غسل الميت والصلاة عليه حين وفاته ويستطيع عدم مساعدة السنّي المغضوب عليه من مال الزكاة. ولكن لا سلطة له خارج دائرة الأوقاف وموظفي دار الفتوى.
ولكن ماذا عن القضاء الشرعي وهو القضاء الذي لا بد للمواطن اللبناني السنّي من المثول أمامه أقله لغايات الزواج والطلاق وتقسيم الإرث، والذي لا بد للمواطن المتزوج مدنياً في الخارج من المثول أمامه في القضايا ذات العلاقة بالإرث؟ هنا يجب الانتباه إلى أن الفقرة الرابعة من المادة 95 من قانون تنظيم القضاء الشرعي تعطي للهيئة العامة لمحكمة التمييز (المدنية) حق الاعتراض على الأحكام الصادرة عن المحكمة الشرعية السنية لسببين قانونيين من قانون أصول المحاكمات المدنية وهما: عدم اختصاص المحكمة الطائفية ومخالفتها لصيغة جوهرية تتعلق بالنظام العام. وعليه إذا أراد القضاء الشرعي الحكم على أحدهم بما يخالف النظام العام سيجد القضاء المدني في مواجهته.
من ناحية ثانية، لا يطبق القاضي الشرعي قرارات المفتي. فتوى المفتي على شخص ما بالردة لا مفاعيل لها أمام القضاء الشرعي السنّي. فالمحاكم الشرعية السنية بحسب المادة 242 من قانون تنظيم القضاء الشرعي (معدّلة عام 2011) تنص على الآتي: "يصدر القاضي السنّي حكمه طبقاً للأحكام المنصوص عليها في القرارات الصادرة عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في الأحوال الشخصية للمسلمين السنّة والمتعلقة بتنظيم شؤون الطائفة الدينية... في حال عدم وجود أي نص يرجع القاضي السنّي إلى قانون حقوق العائلة العثماني الصادر في 25/10/1917، وإلا فيحكم طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة".
هذا التعديل الخطير أعطى المجلس الشرعي، لأول مرة، مثل هذه الصلاحية. والسؤال ماذا لو قرر المجلس الشرعي الحكم بالردّة على أحدهم؟ هل يمنع من الزواج أو تطلق زوجته منه أو يحرم من الميراث؟ هل تتدخل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من منطلق حماية "النظام العام"؟ ليس هناك سوابق ذات صلة بهذه المسألة.
بعد كل هذا، لماذا أطلق المفتي موقفاً مفاعيل تنفيذه مقيّدة؟ برأي المحامي نزار صاغية، "الزواج المدني مرفوض لأنه زواج خارج تحكم المؤسسات الدينية وخارج المحاصصات بين الطوائف. حرية الاختيار تخفف سيطرة هذه المؤسسات على المواطنين". أما برأي الوزير السابق يوسف تقلا، فمن الطبيعي أن يدافع المفتي عن "لقمة عيشه"، ويضيف أن "في الإسلام موانع تحول دون تأييد الزواج المدني ولكن منطلق الرفض هو الدفاع عن مصالح أعضاء المؤسسات الدينية". ولإثبات كلامه يتساءل تقلا عن أسباب عدم الاعتراض على قوانين كثيرة مخالفة للشريعة مثل قانون السماح بتوريث حساب مصرفي بسرية تامة والذي يمكن صاحب الحساب من ضرب مبدأ "للذكر مثل حظ الانثيين" لا بل يمكن من خلاله تطبيق مفاعيل التبنّي الممنوع على المسلمين.
تجاوز المفتي واقع مكانته القانونية في المنظومة الحقوقية اللبنانية وهدد مسؤولي الدولة المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية بحكم الردّة عن الإسلام إن وافقوا على تشريع الزواج المدني حتى ولو اختيارياً. لم يعر المفتي انتباهاً لكونه عاجزاً عن تطبيق الحكم بالردّة إلا إذا قرر الخروج عن القانون وتطبيق قانون العقوبات المدني عليه بالتالي، شأنه شأن باقي المواطنين.
في فتواه، ارتكب المفتي، بحسب المحامي نزار صاغية، جرماً جزائياً تنص عليه المادة 329 من قانون العقوبات بسعيه إلى "منع الناس من ممارسة حق مدني" و"منع النواب والوزراء من ممارسة واجب مدني". فالمادة المذكورة تؤكد أن "كل فعل من شأنه أن يعوّق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة، إذا اقترف، بالتهديد والشدّة أو بأي وسيلة أخرى وسائل الإكراه الجسدي أو المعنوي".
لقد هدد المفتي كل من يوافق من المسؤولين المسلمين على الزواج المدني بأنه "لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين". تراجع المفتي عن فتواه التي أصدرها عام 1998 والتي حكم فيها بالردة على "كل من يعتقد بجواز تطبيق أحكام الزواج المدني"! لعلّه خشي خروج جموع غفيرة من تحت عباءة دار الفتوى الدينية إن استمر في توسيع دائرة مَن تطبق عليهم فتواه.
المفتي ليس موظفاً عادياً، بل يمكن اعتباره "موظفاً إكسترا" فإقالته شبه متعذرة لأنه، بحسب المرسوم الاشتراعي رقم 18 الذي ينظم الإفتاء والأوقاف الإسلامية، "لا يعفى من منصبه إلا لدواع صحية تمنعه من حسن القيام بمهامه، أو لأسباب خطيرة، ويصدر قرار الإعفاء من مجلس الانتخاب الإسلامي بدعوة من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى حال عدم اعتزال المنصب بالطوع والاختيار وذلك بأكثرية ثلاثة أرباع الأعضاء على الأقل".
وبما أن المفتي، أساساً، لا يستطيع تطبيق حكم الردّة، ماذا يبقى من مفاعيل قانونية لفتواه؟ يستطيع المفتي منع دفن "المرتدين" في المدافن التابعة للوقف السنّي، ومنع موظفي دار الفتوى من غسل الميت والصلاة عليه حين وفاته ويستطيع عدم مساعدة السنّي المغضوب عليه من مال الزكاة. ولكن لا سلطة له خارج دائرة الأوقاف وموظفي دار الفتوى.
ولكن ماذا عن القضاء الشرعي وهو القضاء الذي لا بد للمواطن اللبناني السنّي من المثول أمامه أقله لغايات الزواج والطلاق وتقسيم الإرث، والذي لا بد للمواطن المتزوج مدنياً في الخارج من المثول أمامه في القضايا ذات العلاقة بالإرث؟ هنا يجب الانتباه إلى أن الفقرة الرابعة من المادة 95 من قانون تنظيم القضاء الشرعي تعطي للهيئة العامة لمحكمة التمييز (المدنية) حق الاعتراض على الأحكام الصادرة عن المحكمة الشرعية السنية لسببين قانونيين من قانون أصول المحاكمات المدنية وهما: عدم اختصاص المحكمة الطائفية ومخالفتها لصيغة جوهرية تتعلق بالنظام العام. وعليه إذا أراد القضاء الشرعي الحكم على أحدهم بما يخالف النظام العام سيجد القضاء المدني في مواجهته.
من ناحية ثانية، لا يطبق القاضي الشرعي قرارات المفتي. فتوى المفتي على شخص ما بالردة لا مفاعيل لها أمام القضاء الشرعي السنّي. فالمحاكم الشرعية السنية بحسب المادة 242 من قانون تنظيم القضاء الشرعي (معدّلة عام 2011) تنص على الآتي: "يصدر القاضي السنّي حكمه طبقاً للأحكام المنصوص عليها في القرارات الصادرة عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في الأحوال الشخصية للمسلمين السنّة والمتعلقة بتنظيم شؤون الطائفة الدينية... في حال عدم وجود أي نص يرجع القاضي السنّي إلى قانون حقوق العائلة العثماني الصادر في 25/10/1917، وإلا فيحكم طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة".
هذا التعديل الخطير أعطى المجلس الشرعي، لأول مرة، مثل هذه الصلاحية. والسؤال ماذا لو قرر المجلس الشرعي الحكم بالردّة على أحدهم؟ هل يمنع من الزواج أو تطلق زوجته منه أو يحرم من الميراث؟ هل تتدخل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من منطلق حماية "النظام العام"؟ ليس هناك سوابق ذات صلة بهذه المسألة.
بعد كل هذا، لماذا أطلق المفتي موقفاً مفاعيل تنفيذه مقيّدة؟ برأي المحامي نزار صاغية، "الزواج المدني مرفوض لأنه زواج خارج تحكم المؤسسات الدينية وخارج المحاصصات بين الطوائف. حرية الاختيار تخفف سيطرة هذه المؤسسات على المواطنين". أما برأي الوزير السابق يوسف تقلا، فمن الطبيعي أن يدافع المفتي عن "لقمة عيشه"، ويضيف أن "في الإسلام موانع تحول دون تأييد الزواج المدني ولكن منطلق الرفض هو الدفاع عن مصالح أعضاء المؤسسات الدينية". ولإثبات كلامه يتساءل تقلا عن أسباب عدم الاعتراض على قوانين كثيرة مخالفة للشريعة مثل قانون السماح بتوريث حساب مصرفي بسرية تامة والذي يمكن صاحب الحساب من ضرب مبدأ "للذكر مثل حظ الانثيين" لا بل يمكن من خلاله تطبيق مفاعيل التبنّي الممنوع على المسلمين.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق