صورة المدونة

صورة المدونة

الثلاثاء، 16 أبريل 2013

الخوف من 13 نيسان



"إلحاقاً لبرقيتنا رقم 2668 تاريخ اليوم، أقفلنا شارع مار مارون في عين الرمانة بدوريتين لمنع مرور عناصر فدائية. ولكن سيارة فيات فيها مسلحون مرت عنوة ولم تمتثل، وما أن وصلت إلى منتصف الشارع المذكور حتى تبادلت إطلاق النار مع عناصر المحلة... ويوجد أوتوبيس بداخله عدد من القتلى والجرحى لم نتمكن من الوصول إليه بسبب إطلاق النار بغزارة... حالة الأمن مضطربة جداً ويمكن أن تجرّ البلاد إلى حوادث دامية... إنها تتضاعف تدريجياً وتتطلّب التدخل السريع لتطويق الحادث على مستوى عال... سنفيد".
 
هذا ما أبرقه آمر فصيلة الدرك في فرن الشباك، عبد الساتر، إلى القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي في الساعة الرابعة عشرة من نهار الأحد 13 نيسان 1975. نستطيع افتراض أن هذه البرقية تشبه مثيلاتها التي تكتبها قوى الأمن الداخلي عن الحالة الأمنية المتوترة التي تشهدها مناطق لبنانية عدّة من حين إلى آخر.
 
في نهار 13 نيسان، أدت حالة الأمن المضطربة إلى ما حذّر منه عبد الساتر في برقيته. اليوم، لا أحد يعلم متى يتحول أحد النهارات التي تشهد اشتباكات بين اللبنانيين إلى يوم نؤرخ فيه، رسمياً، لحربنا الآتية. ولا أحد يعرف كيف لأننا لا نمتلك العلم الوضعي الذي يسبر غور "المضاعفة التدريجية "(بحسب تعبير عبد الساتر) للحوادث.
 
مع كل حدث أمني يشهده لبنان تخرج إلينا روايات متضاربة هدفها لوم بعض المشاركين في "المعارك الصغيرة" وتبرئة البعض الآخر. معرفتنا حول الأحداث الأمنية التي نشهدها في حاضرنا تشبه معرفتنا عن نهار 13 نيسان: وقائع معروفة، تفاصيل غير متفق عليها، معلومات يدلي بها طرف واحد وينكرها غيره.
 
من المفيد استعادة "وقائع" ذاك النهار المشمس لكي نحذر من أشباهه. الوقائع المتفق عليها هي أنه في صباح ذاك اليوم كان رئيس حزب الكتائب بيار الجميّل يشارك في افتتاح كنيسة للروم الكاثوليك في عين الرمانة. وفي تلك الأثناء اقتحمت سيارة، من طراز "فيات"، أخفيت لوحتها بشعارات فلسطينية، حاجزاً لقوى الأمن الداخلي، ومرّت مسرعة من أمام الكنيسة. أطلق مسلّحون كانوا يستقلونها النار على الناس المحتشدين ما أودى إلى وفاة جوزيف أبو عاصي، المرافق الشخصي للجميّل، وثلاثة أشخاص آخرين.
 
بعد حوالى ثلاث ساعات كانت مجموعة من المشاركين في احتفال بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لغارة نفذتها وحدة كوماندوس من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة في الخالصة، تستقل حافلة للعودة من مخيم صبرا إلى مخيم تل الزعتر. قرابة الساعة الثانية من بعد الظهر، عبرت الحافلة بركابها الثلاثين منطقة عين الرمّانة. كانت عناصر حزبي الكتائب والوطنيين الأحرار مستنفرة على أثر حادثة الصباح. وقعت الواقعة. أطلق المسلحون المنتشرون النار بغزارة على ركاب الحافلة (الفدائيين بحسب وزير الإعلام اللبناني والمدنيين بحسب بيانات المنظمات الفلسطينية). دقائق قليلة كانت كافية لسقوط تسعة وعشرين راكباً قتلى.
 
حتى الآن لا تزال علامات استفهام عدّة تحيط بما جرى. علامات استفهام لها نظائر في ما نختبره من حين إلى آخر كحادثة عرسال، حادثة الشيخين، كل يوم طرابلسي... والتي كلما قرأنا عنها زادت الأحجيات التي تحيّرنا.
 
في 13 نيسان، لم تكن سيارة الفيات السيارة الأولى التي حاولت الدخول عنوةً إلى عين الرمانة. قبلها بحوالى الساعة حاولت سيارة من طراز "فولسفاغن" تقل رجلين فلسطينيين الاقتراب من المحتفلين بافتتاح الكنيسة. تخطى السائق حاجزاً للكتائب، فأطلق المسلحون النار على السيارة وأصابوه بيده. نقل الجريح (لبناني وينتمي إلى إحدى المنظمات الفدائية، على ما قال وزير الإعلام) إلى مستشفى القدس ولكنّه اختفى من المستشفى في اليوم التالي!
 
لم ينج من ركاب الحافلة سوى سائقها مصطفى حسين ورجل دين اسمه محمد علي محسن وفلسطيني يدعى شريف زيدان دخلول. الناجون أكدوا لقوى الأمن الداخلي أن الحافلة سلكت طريق عين الرمانة بطلب من أحد أفراد الشرطة البلدية الذي كان واقفاً على مفترق شارع غنّوم – مار مارون وشارع أسعد الأسعد. بحثت قوى الأمن الداخلي عن هذا الشرطي ولكنها لم تتوصّل إلى معرفة هويّته وبقي "لغز" تواجده وأوامره بلا حلّ!
 
من غرائب أحداث 13 نيسان أن القوى الأمنية اللبنانية كانت تقدّر مسبقاً حساسية ذاك النهار الذي يشهد احتفالين لطرفين متنافسين في منطقتين قريبتين إحداهما للأخرى وفي مرحلة تشهد انقساماً سياسياً حاداً. إنطلاقاً من هذا التقدير، وقّعت اتفاقاً في الثاني من شهر نيسان مع أربعة من ممثلي المنظمات الفلسطينية بينهم أبو حسن سلامة، ممثلاً لحركة فتح، قضى بعدم مرور المواكب المسلّحة في عين الرمّانة في 13 نيسان.
 
في 14 أيار 1975 كان الحادث قد أنتج مفاعيله. اجتمع في القصر الجمهوري رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات والسفيرين المصري والسعودي. خلال الاجتماع، عرض فرنجية نسخة من محضر الاتفاق المذكور. ولكن عرفات أنكر معرفته بوجود الاتفاق!
 
تلقائية أم مفتعلة، لا نملك الإجابات عن حوادث 13 نيسان. السؤال نفسه نطرحه باستمرار في حاضرنا.
 
لكي تندلع، لا تنتظر الحرب معرفة الأطراف المتحاربة لكافة ملابسات الحادث الذي سيؤرخ بدايتها. ما يؤدي إلى الحرب هو الاستعداد لخوضها، استعداد تصعب نسبته إلى زمان محدّد بدقة. قد نلجأ إلى التواريخ الرمزية، ولكن في الحقيقة، تكون الحرب قد بدأت منذ وقت طويل على هيئة توترات وانقسامات وحوادث متفرقة.

نشر في www.almodon.com في 13/4/2013


ليست هناك تعليقات :