نهار 14 آذار 2005 كان تاريخياً.
التاريخي فيه هو تلك المشهدية التي احتضنتها ساحة الشهداء. لم تُرفع الأعلام
اللبنانية بهذه الكثافة لا قبل ذاك النهار ولا بعده. حمَلة الأعلام حملوا معهم
"حلم 14 آذار". كلّ منهم نزل إلى الساحة شاهراً توقه إلى وطن. بعض
الحالمين استفاق والبعض الآخر يعيش حالة إنكار لفجاجة الواقع.
لا داعي للغرابة. نحن في لبنان، هذه
الدولة الصغيرة الولّادة الخصبة لأحلام معظمها يتم وأده وقليل منها يستمر في الحياة
حتى يصيبه الوهن دون أن يتحقق. "حلم 14 آذار" هو حلم له حياته الخاصة
وله شكله الخاص في ذهن كل حالم. هو ذاك الطفل الصغير الذي ينمو داخل كثيرين من
اللبنانيين ويساعدهم على تأخير شيخوختهم الممهدة للموت.
نزل اللبنانيون إلى الشارع عام 2005
أساساً للمطالبة بخروج الجيش وأجهزة المخابرات السورية من لبنان. ونزلوا
مستنكرين اغتيال رئيس حكومة وطامحين إلى لبنان أفضل. هكذا، بهذه العمومية. الحلم
الجماعي الذي راود، لأول مرّة بعد انتهاء الحرب الأهلية، مسلمين ومسيحيين في الوقت
عينه انتهت مفاعيله في 26 نيسان 2005 مع تحقيق لبنان استقلاله. رصاصة الرحمة تأخرت
قليلاً إلى حين ضربت قوى 14 آذار طموحات جمهور الحلم بدخولها في "التحالف
الرباعي" وتبكيرها في الصراع على تقسيم المقاعد النيابية في ما بينها.
بين سنة وأخرى اختلفت خطاباتها إلى
حدّ التناقض. كل احتفال بمناسبة 14 آذار أو 14 شباط كان يكتسي برداء سياسي مختلف
ما يجعلنا أمام حركات 14 آذار، تتغيّر مع تغيّر الزمن أو ببساطة أمام تجمع قوى
سياسية "عادي" لا يرقى إلى مرتبة حامل الأحلام.
في كل احتفال بذكرى 14 آذار كانت
تُردَد معزوفات الشعب العظيم والاستثنائي! أجل. هو استثنائي بعدم مساءلته
للسياسيين وبقبوله الكذب عليه سنة بعد سنة. الإيجابية الوحيدة في خطابات قوى 14
آذار هو ترداد كلمة الدولة، وهي لا تتعدى كونها إيجابية لفظية.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع
اعترف بأن قوى 14 آذار هي تجمّع تناقضات. "طبيعي، فهي مجموعة أحزاب وشخصيات
مختلفة من أماكن لم تكن تلتقي سابقاً، إضافة إلى ذلك أنها موجودة أيضاً في السلطة،
مع ما يعنيه ذلك من ضرورات العمل السياسي والتعاطي به"، قال جعجع معتبراً أنه
"يكثّر خيرها أمام كل هذه التناقضات". حلم 14 آذار أثقل من أن يحمله
تحالف قوى 14 آذار.
القليل من جمال حركة 14 آذار السياسية
سببه بشاعة خطاب خصومها. "أداء قوى 14 آذار جيد، مقابل أداء سيء لقوى الثامن
من آذار"، قال جعجع في 14 آذار 2010، محاولاً تبرير الفشل. كلمات كان يجب أن
تكون كافية للاستيقاظ من الحلم. نجحت قوى 14 آذار في المواظبة على ترداد فقرات
وردت في "اتفاق الطائف" ولكنها فشلت في ما يتعدّى الكلام. الظروف لم
تساعدها ولكن لو ساعدتها لما تغيّر شيء. فالرطانة لا تنتج سياسة جيّدة. وهذه القوى
تخطت أرقاماً قياسية من حيث عدد التناقضات في خطاباتها.
لم تستحِ هذه القوى في برنامجها
للعالم 2011 من اعتبار أن "ثورة التغيير الديمقراطي التي تجتاح بلدان العالم
العربي... تلتقي مع انتفاضة الحرية والاستقلال في لبنان". نسيت دعوتها، في
برنامجها للعام 2008، إلى "ملاقاة ودعم التحول الجاري في العالم العربي حيث بدأت ترتسم
معالم نظام اقليمي عربي جديد وحديث بعيداً عن الديماغوجيا السابقة".
"قوى التغيير" التي وضعت في أولوياتها، في برنامجها
السياسي الأخير، التشجيع "على نشوء بيئات وتجمعات عابرة للطوائف توفّر شروط
التلاقي على ثوابت وطنية مشتركة، وتعيد الأولوية للمشترك السياسي ـ الوطني على أي
عامل آخر، وصياغة قانون عصري للانتخابات يفسح في المجال أمام تجديد النخب السياسية
لا إقفال الأبواب بوجهها"، بعضها يتبنى مشروع القانون الارثوذكسي وبعضها
الآخر معياره للقانون الواجب اعتماده نجاح هذا النائب الهرم أو ذاك.
14 آذار هو مناسبة لاستخلاص العبر الوطنية كما هو مناسبة لاستخلاص
عفن السياسة اللبنانية. سيبقى "حلم 14 آذار" فعمره في محفظة الأحلام
اللبنانية سابق على هذا التاريخ بكثير ومدة صلاحيته لا تنتهي إلا بولادة الدولة.
(نشر في www.almodon.com في 17/3/2013)
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق