صورة المدونة

صورة المدونة

الخميس، 11 أبريل 2013

"إجحاف" الواقعية المارونية



مع قرار الرباعي الماروني "تعليق طرح اللقاء الأرثوذكسي"، علّق الموارنة حلمهم بمكاسب سياسية تتنافى مع الواقعية. ربط الموارنة حلمهم "الأرثوذكسي" بمهلة زمنية وهم يعلمون أن لا طريق أمامهم إلا التمديد لها أو اقتراح مهلة جديدة.

من بكركي مرّة ثانية، وبرعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي، أدلى الموارنة مجتمعين بدلوهم في مسألة قانون الإنتخاب. في المضمون يختلف لقاؤهم كثيراً عن ذاك اليوم الذي أعلنوا فيه حقهم في إيصال نصف النواب بأصوات مسيحية صرفة. في اللقاء القديم "بقّوا" حلمهم الكبير من دون أن يأبهوا لإضراره بالشراكة مع المسلمين. في اللقاء الجديد أعادتهم جاذبية التوازنات السياسية والديموغرافية إلى أرض الواقع

قيّم الموارنة "حقوقهم" و"صحة تمثيلهم" في منزلة بين منزلتي اقتراح اللقاء الأرثوذكسي وقانون الستين الذي "يكرّس الإجحاف والغبن" تجاههم. بين الإثنين يظهر رقم الـ52 الذي كان قد اقترحه تيار المستقبل! يستطيع حلفاء تيار المستقبل التفاخر بأن حليفهم قيّمهم واقعياً بينما لن يستطيع التيار الوطني الحر تبرير الدفع المعنوي الذي حقنه به حلفاؤه.
  
في الشكل، كان خروج النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية السريع دليلاً على تراجعهما، على مضض، عن مطلبهما السابق. أما بقاء القيادات المارونية الأخرى فكان خير تعبير عن شعورهم بإزاحة همّ كبير عن كاهلهم، همّ كان يوتر علاقتهم بحلفائهم السياسيين وكاد يودي بها إلى القطيعة.

فرضت الوسطية نفسها وبدأت علامات ظهورها بين الموارنة. لم يستطع ميشال عون الاستمرار في لعبته القائمة على التشكيك بنوايا خصومه المسيحيين حيال السير في الاقتراح الأرثوذكسي. حججه بدأت تتهافت مع عدم قدرته على دفع الرئيس نبيه بري إلى الدعوة إلى جلسة عامة لمجلس النواب. تلاشت فقاعة الصابون التي ارتسمت عليها أطروحة زعامته القادرة على دفع حلفائه إلى السير خلفه.

"القوات" و"الكتائب" نجوا من امتحان الالتزام بالاقتراح الأرثوذكسي. لو لاقى الرئيس برّي هوى الجنرال لكان عليهما الاختيار بين شعار "حقوق المسيحيين" وبين حلفائهما. سارا خطوة ثابتة باتجاه خطوة الجنرال الخجلة. أول من تحدث بعد لقاء بكركي كان النائبان سامي الجميّل وجورج عدوان. العونيون سينتظرون طلي خطابهم السياسي بصيغ كلامية تُخفي حمرة الخجل عن وجوههم.

لم يستطع الموارنة "نفخ" حجم تمثيلهم النيابي. فقعت ضفدعتهم التي أرادت التمثل بالثورين الشيعي والسنّي. في ذروة الإنقسام السياسي الشيعيالسنّي، لم يستطع الموارنة زيادة مكاسبهم لأنهم لا يلعبون دور مزيل الاحتقان من هذه العلاقة المتوترة والتي تهدد لبنان بالانفجار في أيّة لحظة. اعتمدوا تكتيكاً خاطئاً. أرادوا زيادة مكاسبهم وهم منخرطون في هذا الصراع.

التنافس السياسي الشيعي السنّي في لبنان يمنح المسيحيين فرصة تاريخية للعب دور الموازن بينهما. يستطيعون كسب الكثير إن لعبوا دوراً وسطياً. لن يحصّلوا أيّة إضافة إن أرادوا انتزاع أي مكسب بطريقة تُشعر أحد هذين الطرفين بأن امتيازاته "تُسرق" منه. في حرب المواقع ينجح من يلعب دور قوة السلام. هذا صعب على المسيحيين لأنه يعني أن عليهم ممارسة السياسة بطريقة لم يعتادوا عليها، لا هم ولا بقية الطوائف اللبنانية.

عادت موازين القوة لتفرض نفسها على السياسة في لبنان. ضاع حلم الموارنة. قبله، كان حلم اللبنانيين بقانون انتخابي يُقرّه ممثلوهم قبل فترة طويلة من قدوم استحقاق الانتخابات قد ضاع. الآن ستبدأ حسابات المواقع بناء على أحجام القوى السياسية الحقيقية. من هذه المدخنة سيخرج دخان التوافق الأبيض.

في بكركي، اتفق الموارنة على مهلة محددة للعمل على قانون انتخابي توافقي دون تحديد هذه المدّة. يبدو أنهم اقتنعوا بأن محاولتهم لنيل مكاسب انطلاقاً من الإنقسام السياسي السني الشيعي الحاد باءت بالفشل. لم يريدوا الدخول في لعبة المهل وتمديد المهل. أيقنوا أخيراً أن تمثيل المسيحيين لا بد له من الخضوع لإجحاف الواقع.

(نشر في www.almodon.com في 4/4/2013)

ليست هناك تعليقات :